عزيزة علي

مؤنس الرزاز: مثقف استثنائي ومبدع عاش حياة رواياته واختار مصير أبطاله

عزيزة علي
اليوم الذكرى التاسعة للرحيل المباغت لصاحب “متاهة الأعراب في ناطحات السراب”

عمان– يذهب كُتَّابٌ إلى أنَّ رحيل الروائي مؤنس الرزاز قبل تسعة أعوام، شكَّلَ “خسارة كبير للوسط الثقافي المحلي والعربي”، وأنَّ وفاته أوقفت مشروعه الأدبي في تحوله الجديد نحو كتابات الاعترافات غير المطروقة عربيا.

ويقرأ البعض وفاته على أنها نبوءة عاشتها إحدى شخصياته الروائية وهي جمعة القفاري الذي مات وحيدا، كما مؤنس.

وتوفي الرزاز في الثامن من شباط (فبراير) العام 2002 في مستشفى لوزميلا بعمان إثر أزمة صحية باغتته في منزله بجبل اللويبدة الذي شهد طفولته المبكرة، واحتضنه بعد عودته من المنافي المتعددة.

ولد الراحل في العام 1951، بمدينة السلط، ودرس في مدرسة المطران في عمان، وحصل على الثانوية العامة “التوجيهية” المصرية، ثم درس مستوى الـ(A level) في بريطانيا لمدة عام ونصف العام، قبل أنْ ينتقل إلى لبنان، حيثُ درس الفلسفة في جامعة بيروت لمدة ثلاثة أعوام، ليذهَبَ بعدها إلى جامعة بغداد، ويتخرَّجُ من جامعتها حاملاً شهادة ليسانس فلسفة، ثم ينضم إلى جامعة جورج تاون في واشنطن لاستكمال دراساته العليا، إلا أنه تركها بعد عام واحد في العام 1978 حيث التحق بأسرته التي انتقلت من عمان إلى بغداد في العام 1977.

ويستذكر صاحب المؤسسة العربية للنشر ماهر الكيالي أبرز محطات علاقته بالرزاز بدءا من كونهما أبناء جيل واحد ومدرسة واحدة، كما أنهما سكنا جبل اللويبدة، فضلا عن قرابة الدم، مضيفا إلى ذلك الرابط الأساس بصداقة قوية جمعتهما.

ويشيرُ الكيالي إلى العلاقة التي ربطت مؤسس المؤسسة العربية الراحل د.عبدالوهاب الكيالي الذي “رعى الرّزّاز منذ نعومة أظفاره، ونشر له أولى كتاباته وهي بعنوان (مد اللسان الصغير في وجه العالم الكبير)”، مؤكدا أنه بعد رحيل عبدالوهاب قامت المؤسسة بنشر أعمال الرّزّاز الكاملة بالاتفاق مع شقيقه د.عمر الرّزّاز.

ويجد الكيالي في الرزاز “صديقا حميما وحساسا وذكيا، وصاحب روح مرحة ورثها عن والده المفكر القومي الراحل منيف الرزاز”.

الباحث والكاتب الفلسطيني صقر أبو فخر، يوضح أنه تعرَّف إلى الرزاز في بيروت، والتقى معه مرات عديدة. ويقول: “بعدما غادَرَ الرزاز بيروت في العام 1982، افترقت خطواتنا وصرنا نلتقي مصادفة وخاصة عندما يأتي إلى العاصمة اللبنانية”، مبيِّنا أنَّ روايات الراحل كانت البديل عن اللقاءات المتباعدة.

ويعتقد أبو فخر أنه يعرف الرزاز معرفة جيدة، ويُدركُ جوانبَ من روحه القلقة، معتبرا إياه “روائي الوحشة والهلع”. ويؤكد أنَّ الراحلَ “عاش مثل مخلوقاته الروائية الذين تخضبوا بالمرارات والخيبات، فقد مات والده منيف مبكرا، كما مات هو مبكرا”.

ويذهب إلى أنَّ الرزاز، “طوقته المنافي”، منذ مغادته عمان إلى لندن ثمَّ بغداد فبيروت، مبيِّنا أنه كان يخشى دائما الوحدة والموت وحيدا. ويؤكد أبو صخر أنَّ حدس الراحل قد صدق “إذ مات وحيدا في منزله في أحد جبال عمان، مثل (جمعة القفاري) بطل إحدى رواياته”.

ويقول “إنَّ عالم الرزاز الروائي كان أبعد من المكان الضيق الذي يعيش فيه؛ فكان شاميا وهو من عائلة أصلها من حماة السورية، وعاش مثل والده منفيا وشقيا، فواجه الموت المبكر لوالده، ثم انخرط في السياسة بلا طائل، ثمَّ أمضى بقية أيامه في عمان التي جاءها في العام 1982، بعد مغادرته بيروت جراء الاجتياح الإسرائيلي، وراح يكتب باحتراق وألم وخيبة”.

عاش الرزاز، كما يذهب أبو فخر، مثل أبطاله “حيا ولكن في البحر الميت”، ومثل والده جرفته التجارب المرة. ويرى أنَّه لذلك حفلت رواياته بـ”الرعب والجنون والانفصام والهستيرية”، فأحبَّ عشرات النساء من “آنا كارنينا” إلى “نادية الجندي”.

ويحيلُ ولعَ الرزاز بنساء الروايات والأفلام إلى كونه عاشَ في منزل بلا نساء، لافتا إلى أنَّ روايات الراحل كانت “مترعة بالخوف”. ويوضح أنَّ رواية “أحياء في البحر الميت” تعد بمثابة “بوح بالاضطراب والقسوة والتشرد”. أما “اعترافات كاتم الصوت”، فهي وفق أبو صخر “علاج فيها أوجاعه بعد وضع والده في الإقامة الجبرية في العراق”.

وفي رواياته اللاحقة مثل “جمعة القفاري”، “مذكرات دينصور”، “وسلطان النوم”، فقد اتسمت بـ”كابوسية وحلمية وهذانية”، ذاهبا إلى أنها كانت “ذات بنية روائية متصدعة تماما مثل الرزاز، وأحوال العالم العربي آنذاك”. ويقول “في هذه الكآبة ترك الرزاز العنان لجسده ودهون شريانه ولمرض الربو يفتكون به، وهكذا رحل مؤنس حزينا نبيلا مبدعا وإنسانا بهيا”.

الروائية سميحة خريس تجد أنَّ غياب الرزّاز عن المشهد الثقافي الأردني “خسارة كبيرة للوسط الثقافي المحلي والعربي، وكذلك خسارة على المستوى الإنساني”، مؤكدة أنه “كلَّما مر وقت وزمن كل ما أيقنا بحضور الرزاز الإبداعي بيننا”.

وكشفت خريس أنها في الفترة الأخيرة اطلعت على جزء من الأوراق الرزاز التي لم تنشر، منها كتابات روائية كتبها في العام 1997، وبعضها عبارة عن مجموعة من الرسائل التي تبادلها مع والده ووالدته منذ كان في العاشرة من عمره، وكلها تكشف عن سيرة حياة مكتظة بالأحداث وتمثل المسار الفكري للشعب العربي في ذلك الوقت، مما يعني أن أوراق الرزاز تزيد مع الأيام أهمية خصوصا في المرحلة الراهنة التي تشهد استعدادا عربيا للتغير.

وترى أنه مع الزمن والوقت سيكون هناك فرصة لدراسة الأعمال الأدبية للرزاز، مؤكدة أنَّ تلك الكتابات ربما تكون من بين الكتابات العربية الأكثر تعبيرا عن الذات العربية المحكومة بقدر صعب.

وأشارت خريس إلى أنه رغم أن الساحة الأردنية ساحة لا تعترف بالتأثر بكتابات بعضنا البعض، إلا أن البحث الدقيق يكشف أن هناك جيلا من الشباب تأثر بأسلوب الرزاز الكتابي، خاصة في موضوع تشظيه الفكري وإبراز طريقة الحيرة في المعنى عنده، مبينة أن ذلك لم يجد الدراسة الوافية والذكية التي تلاحظ هذه الأشياء. على المستوى الإنساني، تجد خريس “أن الرزاز صديق لم يتكرر وإنسان دافئ يصعب أن يجود الزمن بمثله، رغم كل ما حولنا من صعوبات ومشاكل، أعتقد أننا كنا محظوظين لأن الرزاز كان في يوم من الأيام بيننا”.

وكان الراحل بدأ حياته العملية في الملحق الثقافي لجريدة الثورة العراقية في بغداد، ثم في مجلة شؤون فلسطينية في بيروت، ولدى استقراره بعمان في العام 1982 عمل في مجلة الأفق، وفي مكتبة أمانة العاصمة، وفي مؤسسة عبدالحميد شومان، وشرع يكتب عموداً يومياً في جريدة الدستور، ثم زاوية يومية في جريدة الرأي.

وعين الرزاز مستشاراً في وزارة الثقافة، ورئيساً لتحرير مجلة أفكار، وانتخب العام 1994 رئيساً لرابطة الكتاب الأردنيين، كما انتخب العام 1993 أميناً عاماً للحزب العربي الديمقراطي الأردني الذي نشأ بعد الانفراج الديمقراطي بالأردن في العام 1989 لكنه استقال من موقعه في أواخر العام 1994.

ونال جائزة الدولة التقديرية في الآداب للعام 2000، في حقل الرواية، ترجم له ايليان عبدالجليل إلى الإنجليزية رواية – Alive in the dead sea منشورات وزارة الثقافة 1997.

azezaa.ali.ali@alghad.jo

نشر: 8/2/2011 الساعة .GMT+2 ) 23:39 p.m )