١٩٦٣/١١/٨ ” مؤنس يزور منيف في الجفر “
منيف الحبيب
عاد مؤنس أمس من عندك وعندما دخل الباب ونظرت إليه شعرت حالاً بأن رحلته المضنية لم تذهب عبثاً، فمع أنه كان يجر قدميه من طول الرحلة إلا إن الضوء الذي كان يشع في عينيه كان غريباً. والإبتسامة الحلوة الراضية المرتسمة في وجهه حدثتني عن مدى السعادة التي يحسها في أعماقه وقد رآك أخيراً.
وقد حدثني طويلاً عن كل دقيقة قضاها معك وكيف كان لقاؤكما وكيف كان على وشك الانفجار في البكاء لولا أن الجندي حدثه قليلاً فهدأ روعه وتمالك أعصابه وكيف كاد يبكي ثانية وهو بين ذراعيك يحس بك ترتجف وأنت وأنت تقبله وتعانقه. وقد اعترف بأنه لم يستطع التحدث اليك بانطلاق من شدة تأثره وأنه كان يجيب إجابات مقتضبة خوفاً من أن تخونه أعصابه فيفلت زمامها من يده. مع حرصه الشديد بأن لا يفعل، أمامك وأمام الاعين الكثيره التي ترقبه. فهو الكبير في رأيه بنفسه. يجب أن يبدو كبيراً ويتصرف كالكبار امام الآخرين. وكأن الكبار لا يبكون.. وكأن لديهم طاقة احتمال فوق ما يحتمل البشر. كم سيتحمل هذا الولد ويقاسي وستكون له نفسه بالمرصاد فهو يحاسب نفسه عن كل صغيرة وكبيرة وينشد الكمال ويشتط ويغلو في وضع المثل والاهداف. إنه مثلك تماماً. يشبهك شبهاً عجيباً في كل شيء حتى في نفسيته وطريقة تفكيره ومثاليته. سأحاول أن اقوم بالرحله إن سمح لي بذلك فقد حمستني رحلة مؤنس وجعلتني ازداد شوقاً على شوق. وكم تمنيت لو كنت معه، لو لم اتذكر رحلة معان ومتاعبها التي حدثت والمتاعب التي تلتها. ثم تشديدك في الطلب بأن لا نحاول القدوم اليك. كل ذلك جعلني اشعر بأن من المستحسن ان اكتفي برؤية مؤنس لك، ولكن وبما أن الامر سيطول كما يبدو، فليس لنا إلا ان نحاول رؤيتك على الأقل والذهاب اليك وقد تعذر مجيئك الينا.
استلمت صباح اليوم رسالتك التي تطلب فيها الكتابين والدفاية أما الكتابين فقد اعددتهما واما الدفاية فسأنزل في الغد لتأمينها. أما الفروة فلم نوفق في خياطة وجه لها. وقد اعطيتها لجارتي الخياطة فكانت النتيجة بائسة وليس فيها أي اتقان ولست ادري كيف سيتم اصلاحها. والوالد لم يجد أي واحد يستطيع تفصيلها على الاصول ولكنه موعود في الغد بأن تؤخذ لمن يفهم بأصول خياطة الفروات.
” ليتني استطعت ان احدثه كما اريد وليت عقدة لساني حلت “
هل تعرف شعور مؤنس الآن؟ أما وقد رآك فإنه يريد أن يراك دائماً وقد قال والدموع في عينيه ” لقد ازداد شوقي اليه -ووددت لو لم اتركه أبداً. ليتني استطعت أن احدثه كما أريد وليت عقدة لساني حُلت وانطلقت على طبيعتي معه”. وكالعادة حاولت ادخال الطمأنينة إلى نفسه واوضحت له بأنك ولاريب شعرت بكل الذي يدور في اعماقه وانك تفهم سر اجاباته التي يقول بأنها اقتصرت في كثير من الاحيان على لا و نعم. وتفهم لم اختنقت الأسئلة الكثيرة الملهوفة على شفتيه.
للآن لم أقرر الذهاب إلى اريحا بسبب مشكلة مؤنس وقد انزل ولكن لفترات متقطعة وليس بصورة متواصلة. واما بالنسبة لتأمين الجرائد في غايبي فسأحاول تأمينها من اريحا إن امكن وإلا كلفت من يقوم بها من هنا.
قبلات كثيره من عمر ومؤنس. واشواق من امي و والدي ولك حبي وقبلاتي.
لمعه
الرسالة بخط اليد: