تأملات

مؤنس الرزاز

في رحلتي الطويلة من زياراتي إلى “الجفر” طفلاً، إلى انقلابات الرفاق السابقين في دمشق وبغداد .. رأيت ملايين العيون. حدقت فيها فمستني كهرباء ترسل ألاف الرسائل: رسائل الحب والخديعة  والمرارة والمراوغة والصراحة : كهرباء خفيه نورها ملموس!

من سكينة جبال الألب في  النمسا إلى الحرب الأهلية في لبنان وصخبها المدموم سمعت مشجرة الموت في القلوب القوية الفتية الرياضية، حفيف الربيع في ذكريات العجائز،  نبض الخريف في مستقبل الصبايا.

في رحلتي هذه رماني المحارب الكبير في بحر من دماء الحرب .. وما جاوزت التاسعة من عمري . وقال بصوت حازم:

– تعلم سباحة الحرب. الحرب فن الحياة والصراع فلسفتها ، والبقاء للأقوى .وخير وسيلة لتعلم السباحة.. القفز الشجاع المغامر إلى الماء، والعار للمترددين!

وأنا كنت متردداً .. لا أحب سماع قعقعة السيوف ، ولا شم رائحة الدماء . كنت ولداً مرهفاً شفيفاً يحب إجادة فن قراءة العيون، والإصغاء إلى الربيع ينبض في شرايين الشيوخ، والنسغ  يجري في عروق الشجر اليافع والعريق والشاهق الباسق والمنحني المتعب.

من سجن صحراوي ، إلى انقلاب في عاصمة الأمويين ، وآخر في عاصمة العباسيين ، مرورا بجبال الألب وحرب بيروت وجامعة ” جورج تاون” … حدقت في ملايين العيون ، تتحدث ملايين اللغات، وحاورتها كلها في سجال ممتع خلاق..

على هذه الأرض ما يستحق الحياة!