لمعة بسيسو

من هي :
ولدت لمعه بسيسو عام 1923 في حماه حيث كان والدها صالح بسيسو يعمل في الإدارة العثمانية, إنتقلت مع عائلتها إلى عمان عام 1925 ، ودرست فيها ثم إنتقلت إلى مدرسة “شميت” و “الفرنرز” في فلسطين حيث اكملت المرحلة المدرسية, كانت من أوائل الأردنيات اللواتي تخرجن من المرحلة الجامعية من الكلية الأمريكية للبنات في بيروت عام 1940, عادت الى عمان عام 1940 ، ونشطت في العمل السياسي والإجتماعي، وكتبت عدة مقالات في الجرائد حول قضايا المرأة والقضايا الوطنية, ألقت كلمة عام 1947 في المتحف الوطني في القدس قائلة :” كيف يمكن للرجل ان يعطى المرأة حريتها وهو لا يمتلك هذه الحرية”.

تزوجت من الدكتور منيف الرزاز عام 1949 ، ورزقا بكل من مؤنس عام 1951 ، وعمر عام 1961، وزينة عام 1971,  سرعان ما دخلت العائلة في خضم النضال السياسي آنذاك، فقد نفي منيف إلى دمشق عام 1952،  واعتقل لأول مرة من الـ 1957 إلى 1958،  والمرة الثانية من الـ 1963 الى  1964.  كما فرضت عليه الإقامة الجبرية من الـ 1964 الى 1965 ، وكتبت اجمل رسائلها في هذه الفترة تشد من أزره وتتواصل معه حول القلق المتنامي  في نفس مؤنس الطفل.

تنقلت العائلة من السلطة في سوريا عام 1965، إلى النفى في اوروبا ثم العودة إلى الأردن عام 1967, ثم إلى العراق عام 1977  حيث انتهت هذه الفترة بوضع منيف تحت الإقامة الجبرية عام 1979 مع لمعه والابنة زينة حتى قضى منيف في عام 1984, اجتهدت لمعه لتلبية وصية منيف في أن يدفن في الأردن، وعادت مع الجثمان إلى عمان ليواري جثمانه الثرى في 16/9/1984.

عاشت في عمان مع العائلة وكتبت أجمل ما كتبت من الشعر في رثاء منيف

توفاها الله في 27/1/2011 إثر مرض عضال

من اقوال لمعة بسيسو
   

“هاهي الامطار تعود وأنت لم تعد.. هاهي الفصول تتعاقب وأنت لا تعود ! لم ولأي جريمة ارتكبتموها؟؟ جريمة حق الانسان بأن يفكر!”

·          

من رسالة الى منيف في الجفر 17/10/1958

لمعة بسيسو | بإيمان لا تزعزعه العواصف

هكذا كان إيمان لمعة بسيسو الراسخ برسالة المرأة الاردنية المثقفة – المتعلمة تعليما صحيحا- ودورها في نشر الوعي وبناء نهضة حقيقية، مبنية على ركنيها الرجل والمرأة بالتوازي، فهي التي صدحت كلمتها عام 1947، في ارجاء المتحف الوطني في القدس، امام جمع كبير من الرجال- يوم كانت مشاركة المرأة في الاجتماعات والعمل العام عزيزة ونادرة- يومها قالت “كيف يمكن للرجل ان يمنح للمراة حريتها وهو ليس حرا”.

 

عامان على رحيل احدى رائدات الحركة النسوية في الاردن، (27 كانون ثاني 2011) التي لم يتم انصافها ومنحها حقها من التكريم في حياتها كما ينبغي ويليق لذا نستعيد في هذا العدد من راديكال – كنوع من التكريم المتواضع – مقال كانت قد كتبته لمعة بسيسو في زاوية نسائيات قبل ما يزيد عن 67 عاما، تُقيّم فيه لمعة حال المرأة الاردنية آنذاك، وتستعرض انواع النساء، وتصف نظرة المجتمع للمرأة بشكل عام والمتعلمة بشكل خاص، محاولة أن تشخص العلة، وان تقيم الفرق بين التعليم الناقص والصحيح، كما تحاول أن تساهم في رسم صورة مغايرة لما تحلم أن تكون عليه الأشياء؛ المرأة، المجتمع، الوعي… بكلمات أخرى تحاول أن تشارك في بناء نهضة حقيقية لا تقتصر على المرأة، وإنما تمتد لتشمل المجتمع بأسره.

واذا اقمنا مقارنة سريعة بين ما ينطوي عليه المقال من نقد لحال المجتمع والمرأة، وبين واقعنا الراهن، قد ندهش لأنه رغم مرور كل هذا الزمن على كلمات لمعة بسيسو، ورغم تطور المجتمع – المفترض- وتطور القوانين التي تحاول انصاف المرأة ومنحها حقوقها، ورغم توفر التعليم،واحراز الشهادات… سنجد ان كل تلك التغيرات مست قشور الأشياء دون الجوهر، فالواقع ما زال تسوده العقلية الذكورية، وتحكمه العشائرية…، لذا كلمات لمعة بسيسو تبحر في عالم جديد قديم، وتلامس الراهن الذي لم يفلت من زمام الماضي، ولتصبح آمال لمعة بالنهضة وواقعا متجسدا، لا بد من ثورة ثقافية تأتي على المفاهيم والقناعات والمعتقدات السائدة، وعلى صيغة العلاقات القائمة.

كذلك قمنا باعداد فيديو قصير، نتوقف فيه عند محطات بارزة في مسيرة لمعة بسيسو، وعند شخصيات مهمة لعبت دورا مهما في حياتها، استندنا فيه الى مقابلة نادرة مع لمعة بسيسو خص مركز اميلي بشارات للتوثيق راديكال بهذه المقابلة، كما تعود الصور والرسومات في الفيديو الى موقع عائلة الرزاز الالكتروني.

نسائيات | الأردنية بين الجهل والعلم

تطغى على شعورنا في الوقت الحاضر موجة من الغبطة والارتياح، اذ نلمس بوادر اليقظة والارتياح في المرأة الاردنية وشعورها بمسؤوليتها تجاه المجتمع. ولكن في مثل هذه الفترة –الفترة التي نجد فيها الاردنية مثالا للحماس الملتهب والشعور النبيل والتحفز للعمل بهمة لا تعرف التراجع والفتور- دعونا نتوقف قليلا فنلقي نظرة مدققة فاحصة، ننفذ بها الى الصميم لنتعرف الى حقيقة الوضع الراهن للمرأة الاردنية، ومعالجة امورها بمنتهى الصراحة، ليتسنى لنا الاصلاح، وبناء نهضة حقيقية تقوم على اساس متين لا زيف فيه ولا تمويه.

فالأردنية على العموم لا تزال متأخرة ومتأخرة جدا تنقصها البيئة السليمة، والتعليم الصحيح، والثقافة الحقيقية، فهي غالبا تلك التي ترددت على المدرسة خلال سنتين او ثلاث ثم لم تلبث ان انتزعت منها بسبب التعصب وعدم الشعور بحاجة الفتاة الى تلقن العلم. واحيانا بسبب ضيق ذات اليد والعجز عن اداء تلك النفقات الطفيفة.

وهناك تلك التي تعلمت واتمت دراستها في نظر الكثيرين، وهي حاملة الشهادة الابتدائية التي ينظر اليها كالهدف الاول والاخير. فمن فازت بها فقد اعتبرت في غاية الرقي، وليس لها ان تطالب بالمزيد… فهي من الان فصاعدا تنال شرف حضور الاستقبالات، وتكون جديرة بالاستفادة مما يدور فيها من احاديث وابحاث تؤهلها لنيل لقب سيدة صالونات. وهذا لقب لا تناله الا من اصبحت لها الخبرة التامة باصول المجاملات المتبادلة والبراعة الفائقة في تسقُط الاخبار والاشاعات وسردها باسلوب شيق تتعهده مخيلتها الخصبة، فتحذف وتشطب ان شاءت الحذف، والا فانها تزيد وتسترسل وتختلق وتلفق.

وهكذا نرى ان هذا التعليم الناقص يؤدي غالبا – ولا اقول دائما اذ ان لكل قاعدة شواذ- الى اسوأ النتائج. فهي بصفتها متعلمة تستطيع المطالعة في تلك الفترات الوجيزة التي تتخلل مواعيد زياراتها وروحاتها وغدواتها، فتبحث عن الكتب الملذة طبعا، فتجد بغيتها في روايات الجيب، وشهرزاد، ومجلة الصباح وغيرها…، فتَنصَب عليها وتطالعها بجد ونشاط وتستمد منها الغذاء لروحها وافكارها وتخيلاتها، ويستهويها نوع الحياة التي تحياها بطلات قصصها، وكثيرا ما تحاول تطبيق ذلك في حياتها الواقعية… فتخرج من مطالعتها بذلك التفكير السقيم والافكار المبتذلة والانحطاط الخلقي.

ويراها القوم بزينتها الصارخة وزيها المستهتر وبهرجتها… ويلحظون طريقة حديثها وضحكتها ومشيها، فيقولون متعلمة طبعا، وهل غير هذا وراء العلم والمدرسة للفتاة؟!… نعم ماذا ينتظر غير ذلك نتيجة ذلك العلم الناقص؟!

واما تلك التي جادت او جارت عليها الاقدار فنالت نصيبها من العلم في المدارس الثانوية والعالية، فهي كبش الفداء كما يقولون ينقم عليها المحافظون تماديها في العلم، ويزعمون انها اصبحت متفلسفة تتعلق بقشور مدينة زائفة، وانها اصبحت متعجرفة يملأ التيه والكبر نفسها الى حد الغرور.

ونحن لن يمكننا القول بان كل من تعلمت كان تعليمها صحيحا، فالعلم وحده ليس كافيا، وهناك البيئة والمحيط ثم المؤهلات الشخصية، هناك من اكتفت من العلم بتلك الوريقة العظيمة التي نالتها، ثم تركت كتبها وافكارها وعقليتها ليعلوها الغبار والاهمال، فعاشت في فراغ نفساني لا يشغلها الا تلك الامور السخيفة السطحية في الحياة… ولهذا لا نستطيع وضعها في زمرة المتعلمات مع الاحترام العظيم لشهادتها.

وبالرغم من وجود هذه الفئة الا ان هناك الاردنية التي تعلمت بكل معنى الكلمة وتثقفت تثقفا عاليا حقيقيا ورفعت رأس الوطن عاليا في كل معهد أمّته، وهي وحدها التي كانت تتألم بصمت، وتناضل لتفهم القوم حقيقتها فلا تجد الا الانتقاد اللاذع المرير! واما تأثيرها في محيطها البيتي فقد كان بعيد الاثر ونستطيع بجلاء لمس ذلك الفارق الكبير بين مستوى المعيشة في بيت يضم بين جدرانه فتاة متعلمة مثقفة، واخر خال منها.

وهذه الاردنية تؤمن برسالتها في الحياة ايمانا راسخا لا تزعزعه العواصف، تؤمن بأنها الركن الاساسي في رقي الامة، فعليها تقع تلك المسؤولية؛ مسؤولية اعداد النشء الجديد، ليكون جيلا صالحا تسري في دمائه روح القومية الصادقة والمبدأ القويم.

وها نحن نرقب خطوات الاردنية الاولى في سبيل الاصلاح الاجتماعي، وهي بادرة تبشر بنهضة مباركة نرى فيها اندثار ذلك الشعور بالفردية في تكاتف الافراد ومؤازرتهم لتلك الطبقات المحرومة والعمل بما فيه سعادة المجموع.

مقابلة مع جريدة الغد

عرفها النّاس زوجة مناضل كبير، وأما لأديب وكاتب دوّن في عمّان أجمل أعماله: « متاهات الأعراب في ناطحات السحاب»، « اعترافات كاتم صوت » ، « قبعتان ورأس » وغيرها.. ولدت لمعة بسيسو في مدينة حماة عام 1923 بحكم عمل والدها – صالح بسيسو عرفها النّاس زوجة مناضل كبير، وأما لأديب وكاتب دوّن في عمّان أجمل أعماله: « متاهات الأعراب في ناطحات السحاب»، « اعترافات كاتم صوت » ، « قبعتان ورأس » وغيرها.. ولدت لمعة بسيسو في مدينة حماة عام 1923 بحكم عمل والدها – صالح بسيسو عرفها النّاس زوجة مناضل كبير، وأما لأديب وكاتب دوّن في عمّان أجمل أعماله: « متاهات الأعراب في ناطحات السحاب»، « اعترافات كاتم صوت » ، « قبعتان ورأس » وغيرها.. ولدت لمعة بسيسو في مدينة حماة عام 1923 بحكم عمل والدها – صالح بسيسو عرفها النّاس زوجة مناضل كبير، وأما لأديب وكاتب دوّن في عمّان أجمل أعماله: « متاهات الأعراب في ناطحات السحاب»، « اعترافات كاتم صوت » ، « قبعتان ورأس » وغيرها.. ولدت لمعة بسيسو في مدينة حماة عام 1923 بحكم عمل والدها – صالح بسيسو عرفها النّاس زوجة مناضل كبير، وأما لأديب وكاتب دوّن في عمّان أجمل أعماله: « متاهات الأعراب في ناطحات السحاب»، « اعترافات كاتم صوت » ، « قبعتان ورأس » وغيرها.. ولدت لمعة بسيسو في مدينة حماة عام 1923 بحكم عمل والدها – صالح بسيسو عرفها النّاس زوجة مناضل كبير، وأما لأديب وكاتب دوّن في عمّان أجمل أعماله: « متاهات الأعراب في ناطحات السحاب»، « اعترافات كاتم صوت » ، « قبعتان ورأس » وغيرها.. ولدت لمعة بسيسو في مدينة حماة عام 1923 بحكم عمل والدها – صالح بسيسو

عرفها الناس زوجة مناضل كبير، وأما لأديب وكاتب دوّن في عمان أجمل أعماله؛ “متاهات الأعراب في ناطحات السحاب”، “اعترافات كاتم صوت”، “قبعتان ورأس واحد” وغيرها.

لمعة بسيسو الرزاز  امرأة مثقفة، تشارك وتكتب في المجلات، وهي الحبيبة التي تكتب الرسائل ,القصائد للزوج المناضل في سجن الجفر

ولدت في مدينة حماة العام 1923 بحكم عمل والدها بالإدارة العثمانية. والوالد صالح بسيسو من الذين درسوا القانون في مدارس اسطنبول، ثم عمل بالقضاء في حكومة فيصل بن الحسين بدمشق، وبعدها جاء إلى عمان مع نشوء الإمارة.

تتذكر لمعة أن الأسرة سكنت وسط البلد في منزل شركسي، ثم في منزل لأحد أبناء عائلة الور “وكان المنزل الوحيد الذي بني من الحجر الأبيض”.

بالكاد تتذكر طفولتها في عمان، وتصفها بأنها “طفولة صعبة جدا”. أما الدراسة، فلغاية الثالث الابتدائي درست في مدرسة بعمان لا تحددها، غير أنها تقول بأنها “كانت لبيت هاشم، مقابل بيتنا، ومن معلماتها واحدة اسمها سعاد وأخرى ميليا غنما، والأخيرة كانت معلمة العربي”.

منزل والدها القانونجي صالح بسيسو كان يعج بالسياسيين، وفي 18/4/1928 أسس “حزب أنصار الحق”، مع مجموعة من الأحرار الوطنيين، منهم علي خلقي الشراري وحسين الطراونة وفواز البركات الزعبي وعارف العارف وعادل العظمة وغيرهم، وهو الحزب الذي تمخض عنه الميثاق الوطني الأول والذي سعى في 15/7/1928 إلى عقد المؤتمر الوطني الأول بمقهى حمدان.

تدرج والدها في عدة مواقع إبان حقبة الإمارة، ومنها مديرا للعدلية، وفي عهد المملكة أصبح عضوا في مجلس الأعيان.

في منزل الوالد تثقفت الفتاة التي أتاحت لها مكتبة والدها الاطلاع على كتب عديدة، باتجاهات مختلفة، فقرأت كتب المنفلوطي القديمة كلها، لكن شغفها بالحياة واللعب جرّ عليها قرارا كان صعبا “أبي زقطني وأنا العب الطابة مع الأولاد، فقال ما فيه دراسة في الأردن فسجلني في مدرسة شميت الداخلية بجانب مقبرة لوزميلا بالقدس”.

كانت الحياة بمدرسة “شميت” صارمة على الطفلة لمعة بسيسو، فقد كانت الساحة صغيرة، ويمنع مغادرتها، فظلت تشكو لوالدها الذي أرسلها هذه المرة إلى رام الله في مدرسة “الفرندز بعد أن أمضيت عاما في القدس”.

الحياة في رام الله بدت أفضل “انبسطت هناك وكنا نفيق من الساعة الخامسة ومازلت اعشق البخور وأجواء القداس”. وفي رام الله كان هناك معلمة لمادة اللغة العربية هي وديعة شطاره “كانت تراني جيدة بالكتابة والتعبير”.

قضت في رام الله ثلاثة أعوام، وأثناء ذلك “شفت حالي عليهم بسبب تقدمي في بعض المواد”. وبرغم أن رام الله أرحب من القدس إلا أن الحنين كان يفطر قلبها لعمان “كانوا يأخذوننا ثنتين ثنتين لكي نطلع شطحة في رام الله، وكنت أدفش الحجار برجلي، وكان الأولاد يدحشوا رسائل للبنات في رام الله تحت الحجارة أو في سناسل الكروم، ولكن والدي أوصاني عندما أرسلني للغربة أن عليّ ان اعرف حدودي”.

محطتها التالية بعد رام الله كلية بيروت للبنات، وهناك بقيت عامين، وكان معها من الأردن سلوى شويحات “كانت اخبر مني بكثير”.

في بيروت درست الأدب باللغة الانجليزية في زمن لم تكن فيه المرأة ولجت التعليم بشكل واسع، ولما عادت من بيروت لجأت إلى التعليم في مدرسة جبل عمان بأجر “تسعة دنانير في الشهر”. وتقول “كنت أعلّم في عدة صفوف من الثانوي للأول”، وكانت مديرة المدرسة يومها سيدة تركية اسمها ميسر البارودي، و”كانت مثقفة بشكل واسع”.

أيام عمان آنذاك كانت صعبة، وتؤكد أن “الأمير عبدالله كان يريد من السيدات عندما ينزلن إلى المدينة أن يلبسن الچادور، وأنا لم أكن البسه، وذات مرة شافونا نازلين أنا وأختي نعمت وكنا نرتدي ملابس فاتحة اللون وكان عمرنا 14 عاما ومش مغطيين، فجاء البوليس وإذا به الأمير عبدالله بنفسه بالسيارة، فقالت أختي نحن شركس شو بدكو فينا”.

في الأربعينيات كانت لمعة واحدة من نسوة قلائل كن يكتبن في المجلات، وكان معها من صديقاتها ثريا ملحس “كانت تكتب وهي من جيلي كتبت عدة مقالات أثارت ردودا قوية، فقررت أن أرد على منتقديها، وكان ردي يتميز بالسلاسة اللغوية ونشرت ذلك الرد بجريدة الأردن”.

مقالات أخرى نشرتها في مجلة الرائد، فقد كتبت في تموز 1945 تحت زاوية “نسائيات” بعنوان” الأردنية بين الجهل والعلم”، أشارت فيه على نمط الثقافة والتعليم والبيئة السليمة لتقدم المرأة الأردنية.

أحبت لمعة عمان وعشقتها “كنت أرى عمان أحلى بلد في الدنيا”، وهي تحمل في ذاكرتها قصة عمان عبر سبعة عقود، فتتحدث عن بنات عمان وعن مرافقها العامة ووجوه التسلية. وتقول “كنت اطلع أنا وصاحباتي من بنات عائلة ملحس على جبل عمان وكنا نجلس على الصخور، ثم لما تزوجت منيف كنا نخرج معا على الصخور، وكانت الكلاب تنبح علينا، وكنا نذهب لسينما البتراء قرب السيل.. لكن حياة بنات عمان يومها كانت كثير ضيقة”.

المرافق الخاصة بالنساء كانت قليلة في عمان “كان هناك كوافير بنزلة اللويبدة في أول شارع السلط، وهو من أصل ارمني”، كما أن المرأة كان رأيها في اختيار شريك حياتها محدود. وتتذكر “ذات مرة أرسل أحدهم رسالة إلى أبي يقول فيها لماذا تترك جواب البنت على الخاطبين بيدها، فأجابه أبي: أنا لا يوجد عندي جاريات”.

بالكاد تتذكر أم مؤنس تلميذاتها، ومنهن سعاد أبو الهدى، وتتذكر مدير المعارف الشيخ محمد علي الشنقيطي وكيف جعل “الفرصة بين الفترتين الصباحية والمسائية طويلة، كما ترى أن رئيس الحكومة سمير الرفاعي كان صعباً”.

العام 1949 تزوجت د. منيف الرزاز “كنت أقول لا يمكن أن أتزوج شخصا لأنه مهندم وحلو”. تعرفت إلى منيف بواسطة أخيها وليد، أول لقاء كان أثناء الدراسة في بيروت، ثم التقيا في عيادته ذات مساء، وقد أرادت أن تأخذ إبر تقوية، وتتذكر أنه سألها ذات مرة إن كانت تريد الزواج من شخص غني أم لا.

تبين لمعة أنها لما خطبت د. منيف الرزاز كانت صاحباتها يقلن لها “هذا ما عنده ارض ومال، على أيش أخذتيه؟”، وكانت ترد: “على مخه”. كان منيف في ذلك الوقت اكثر اهتماما بالسياسة منه إلى الطب، ومع ذلك كان يجد وقتا خاصا لزوجته “كان يأخذني للسينما، وكنا نجلس ونجلب انتباه الحاضرين فوق الدكاكين”.

من بيت صالح بسيسو الذي كان يعج بالوطنيين، انتقلت لمعة إلى بيت كان يشهد اجتماعات جيل جديد من القوميين والوطنيين، يومها كان منيف واحدا من مجموعة أطباء يصفهم عبدالرحمن منيف في كتابه “سيرة مدينة” بالقول “هكذا كانت ملامح الصورة الطبية في عمان أوائل الأربعينيات… كان هناك أطباء آخرون لكن لكل منهم أوضاعه الخاصة.. الطبيب يوسف عزالدين الذي كان بيته وعيادته قرب المدرج الروماني والطبيب جميل التوتنجي طبيب القصر الخاص، وهو سياسي، وفي فترة لاحقة منتصف الأربعينيات سوف تصل كوكبة من الأطباء المميزين طبيا وإنسانيا وسياسيا ومنهم عبد الرحمن شقير ومنيف الرزاز، وبعد فترة نبيه ارشيدات وجورج حبش ووديع حداد”، ولكن هؤلاء أسهموا في السياسة أكثر من الطب.

ومع ولع الزوج بالسياسة إلا أن “أصحابه كانوا يحسدونه، كان يدخل عليه في الشهر 75 دينارا، وله عيادة بطريق وادي السير”، ولكنه مع دخوله عمق السياسة بات يتعرض للخسارة، “أول ما بدأ يتفاوض لعمل الحزب في الخمسينيات، صارت انتخابات للحزب فأغلق العيادة شهر وعملها مقر”. وتضيف “وقتها عقلي طار”.

زوجة الطبيب السياسي تؤكد عبر أوراقها التي فتحتها لنا أنها “صبرت على الوضع، وكلما تعقدت الأمور نما الحب أكثر “صار حب كبير بيننا.. كانوا يعتقلونه دائما”، وتعترف “كانت هذه هي عقدة مؤنس”، معترفة أن الطفل كان شديد التعلق بوالده.

ذات مرة أتت الشرطة لاعتقال منيف، وكي لا تلفت انتباه الطفل مؤنس لوالده وهو يعتقل “خليت البنت اللي عندي تلف مؤنس بالحرام، ولكنه قال لي فيما بعد: شفتهم داهنين وجههم اسود”.

الحب والزواج من مناضل لا يستمر إلا بتقاسم الأدوار والقبول واقتسام الحب والمرارة معا، وكما لمعتقل الجفر سيرته المرة، فله تعزى أجمل الرسائل التي كتبتها لمعة لمنيف الرزاز.

وكما أن الجفر معتقل فقد أضحى نقطة التقاء ومحطة لاستقبال الرسائل والطرود، تقول لمعة “كنت ابعث لمنيف كل أسبوعين صندوق فواكه بواسطة السيارات، وكنت أبين له بالرسائل أن أوضاعنا جيدة وأني مدبرة أموري بالمصاري برغم أنها كنت في الحقيقة صعبة جدا…كنت لا أريد أن أزيد على قلبه”.

تذكر أم مؤنس أن الراحل محمد رسول الكيلاني مدير المخابرات طلبها ذات صباح “أبو رسول صفى صديق لمنيف بالآخر، وكان احد الواشين كتب أن منيف اجتمع في أوتيل ببيروت بمجموعة، وأنه كان يحضر لانقلاب على الملك حسين، فأبو رسول راح وناداني وقال جيبي جواز السفر، فقلت له أرجعنا للقصة القديمة، قال والله انك صايرة زي سميحة المجالي زوجة هزاع، التي كانت لما تتصل المخابرات بها تصيح بهم، وأخذت جواز السفر وطلعت لأبي رسول وأخذت معي ابني عمر، وكان عمر يحسب أن السجن هو المستشفى، ولما تأكدوا وجدوا ان التهمة ملفقة”.

دخل زوجها منيف سجن الجفر مرات عديدة بين عامي 1958-1963، ووضع بإقامة جبرية بعيادته، وفي فترات الاعتقال كانت لمعة تتواصل وترسل له الرسائل وتطمئن على رفاقه الذين كانوا معه أمثال أنيس المعشر ومحمود المعايطة وحمدي الساكت وغيرهم.

كتبت له يوم  31/6/1963 تقول: “البيت خال بدونك، وحتى رنين ضحكات عمر لا يخفف كثيرا من شعور مؤنس وشعوري بالوحشة والوحدة، وهو يحس بأن شيئا غير عادي قد حدث..”.

تواصلت رسائلها لمنيف الرزاز في الجفر، وبعد شهرين كتبت إليه بتاريخ 20/8/1963 تقول: “لا أكاد افرغ من الكتابة إليك حتى اشعر بحاجة للكتابة ثانية، ولو خلال وريقة تحمل عباراتي وأشواقي، مما يجعلني اشعر انك قريب مني.. حتى مؤنس استمرت ثورته عليك إلى ما بعد الظهر ثم طلب رسائلك ثانية ليقرأها..”.

تقلبت الأحوال بالزوج المناضل، فانتخب أمينا عاما لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، فرحلت معه لدمشق “سكنا قرب منطقة معرض دمشق الدولي القديمة، وأول ما رحنا صار انقلاب صلاح جديد على أمين الحافظ، فأضحت الحياة صعبة، وكان بيت عبدالرحمن شقير يساعدنا، وجاءت بنته ماوية ونامت عنا”.

بعدها حكم على منيف بالإعدام “جاءت جماعته وأخذته هو وابني عمر ووضعوهما في مكان ما بسوق الحميدية، في حين بقي مؤنس في بيت أحد الأصدقاء من عائلة السواح بدمشق، “أذكر أن مسلم بسيسو هو من هرّب منيف وأوصله إلى الحدود السورية اللبنانية ولبسوه لبس فلاح”.

وتنقلت لمعة مع زوجها إلى بيروت ثم  لجزيرة رودس ومنها إلى اليونان ثم إيطاليا فلندن. وبعد ذلك الترحال وجد منيف بعد حرب 1967 أن الهدف أصبح أكثر صعوبة، فعاد ليجدد دراسته في الطب، وسكنت الأسرة فترة بجانب محطة قطار لندن، ثم انتقلت لمنطقة ويمبلدون “كانت أجمل الأيام في بريطانيا واليونان، ثم عدنا لعمان بعد عفو عام أصدره الملك حسين رحمه الله”.

بعد العودة استأجرت الأسرة منزلا في جبل اللويبدة لداود عبدالهادي، ثم استأجرت بيتا آخر قرب مدرسة تراسنطه وبقيت في عمان بين عامي 1967 إلى 1977 ثم ذهب منيف للعراق، وهنا لا تنسى لمعة بسيسو يوم مغادرته للعراق “لما خرج من البيت عيونه كانت تبكي، قال لي رفعت عودة أحد أصدقائنا: أنا ما شفت واحد أتيحت له فرصة مثل ذلك ويبكي.. منيف فكر أن صدام ابن الحزب وتربى في صفوفه .. وأنا وزينة بنتي تبعناه فيما بعد.. وأول ما وصلنا عاملنا صدام مثل الطيور التي توضع بقفص ذهبي، وضعنا على نهر دجلة ببيت فخم، بعدها عرفت  قصة البيت بأنه لسيدة قتلوها وهي فارسية وصادروا بيتها”.

في بغداد لم يطل المقام والوعود، وسرعان ما مات الحلم وتغيرت رائحة النهر، إذ ما لبث منيف أن اتهم أنه دبر محاولة اغتيال لصدام حسين العام 1979، ليحكم علية بالإقامة الجبرية حتى العام 1986. كانت الوفاة صعبة على الزوجة إذ “دس له السم ليموت وينتق الدم من فمه”، لكن لمعة أبقت منيف بين ذراعيها لآخر لحظة بريق في عينيه، لتكتب فيما بعد:

“عينك يخبو فيها الضياء

يدك الدافئة

لن أحس بالبرودة فيها

يدك الدافئة أمسك بها بين أهدابي

استند إليها…أستريح”.

لمعة بيسسو: أمسكت بيد منيف الرزاز حتى أماتوا الضياء بعينيه

كتبت أجمل قصائدها التي لم تنشر بعد لزوجها وهو في سجن الجفر، ودونت رسائلها لبقية الأسرة في عمان وهما معا في بغداد قبل أن يُقتل زوجها ويتجرع السم ويموت، وقد تركه الرفاق ينزف بين ذراعيها على ضفاف دجلة، فكتبت ترثيه بالقول:

“لا ترحل…لا ترحل

ففي صدرك الكبير

يرقد الحلم الأكبر

وعينك ما زالت ترقب

لا نريد أن نصدق

أن الحلم مات

وأنه مات حين قيدوك

وحين سرقوا أيامك..”.

عرفها الناس زوجة مناضل كبير، وأما لأديب وكاتب دوّن في عمان أجمل أعماله؛ “متاهات الأعراب في ناطحات السحاب”، “اعترافات كاتم صوت”، “قبعتان ورأس واحد” وغيرها، وكحال جميع زوجات المناضلين انشغل الناس بالمناضل وتجربته وتركوا البقية.

لمعة بسيسو الرزاز هنا مديرة منزل وامرأة مثقفة، تشارك وتكتب في المجلات، وهي الحبيبة التي تكتب الرسائل القصائد للزوج المناضل في سجن الجفر.

ولدت في مدينة حماة العام 1923 بحكم عمل والدها بالإدارة العثمانية. والوالد صالح بسيسو من الذين درسوا القانون في مدارس اسطنبول، ثم عمل بالقضاء في حكومة فيصل بن الحسين بدمشق، وبعدها جاء إلى عمان مع نشوء الإمارة.

تتذكر لمعة أن الأسرة سكنت وسط البلد في منزل شركسي، ثم في منزل لأحد أبناء عائلة الور “وكان المنزل الوحيد الذي بني من الحجر الأبيض”.

بالكاد تتذكر طفولتها في عمان، وتصفها بأنها “طفولة صعبة جدا”. أما الدراسة، فلغاية الثالث الابتدائي درست في مدرسة بعمان لا تحددها، غير أنها تقول بأنها “كانت لبيت هاشم، مقابل بيتنا، ومن معلماتها واحدة اسمها سعاد وأخرى ميليا غنما، والأخيرة كانت معلمة العربي”.

منزل والدها القانونجي صالح بسيسو كان يعج بالسياسيين، وفي 18/4/1928 أسس “حزب أنصار الحق”، مع مجموعة من الأحرار الوطنيين، منهم علي خلقي الشراري وحسين الطراونة وفواز البركات الزعبي وعارف العارف وعادل العظمة وغيرهم، وهو الحزب الذي تمخض عنه الميثاق الوطني الأول والذي سعى في 15/7/1928 إلى عقد المؤتمر الوطني الأول بمقهى حمدان.

تدرج والدها في عدة مواقع إبان حقبة الإمارة، ومنها مديرا للعدلية، وفي عهد المملكة أصبح عضوا في مجلس الأعيان.

في منزل الوالد تثقفت الفتاة التي أتاحت لها مكتبة والدها الاطلاع على كتب عديدة، باتجاهات مختلفة، فقرأت كتب المنفلوطي القديمة كلها، لكن شغفها بالحياة واللعب جرّ عليها قرارا كان صعبا “أبي زقطني وأنا العب الطابة مع الأولاد، فقال ما فيه دراسة في الأردن فسجلني في مدرسة شميت الداخلية بجانب مقبرة لوزميلا بالقدس”.

كانت الحياة بمدرسة “شميت” صارمة على الطفلة لمعة بسيسو، فقد كانت الساحة صغيرة، ويمنع مغادرتها، فظلت تشكو لوالدها الذي أرسلها هذه المرة إلى رام الله في مدرسة “الفرندز بعد أن أمضيت عاما في القدس”.

الحياة في رام الله بدت أفضل “انبسطت هناك وكنا نفيق من الساعة الخامسة ومازلت اعشق البخور وأجواء القداس”. وفي رام الله كان هناك معلمة لمادة اللغة العربية هي وديعة شطاره “كانت تراني جيدة بالكتابة والتعبير”.

قضت في رام الله ثلاثة أعوام، وأثناء ذلك “شفت حالي عليهم بسبب تقدمي في بعض المواد”. وبرغم أن رام الله أرحب من القدس إلا أن الحنين كان يفطر قلبها لعمان “كانوا يأخذوننا ثنتين ثنتين لكي نطلع شطحة في رام الله، وكنت أدفش الحجار برجلي، وكان الأولاد يدحشوا رسائل للبنات في رام الله تحت الحجارة أو في سناسل الكروم، ولكن والدي أوصاني عندما أرسلني للغربة أن عليّ ان اعرف حدودي”.

محطتها التالية بعد رام الله كلية بيروت للبنات، وهناك بقيت عامين، وكان معها من الأردن سلوى شويحات “كانت اخبر مني بكثير”.

في بيروت درست الأدب باللغة الانجليزية في زمن لم تكن فيه المرأة ولجت التعليم بشكل واسع، ولما عادت من بيروت لجأت إلى التعليم في مدرسة جبل عمان بأجر “تسعة دنانير في الشهر”. وتقول “كنت أعلّم في عدة صفوف من الثانوي للأول”، وكانت مديرة المدرسة يومها سيدة تركية اسمها ميسر البارودي، و”كانت مثقفة بشكل واسع”.

أيام عمان آنذاك كانت صعبة، وتؤكد أن “الأمير عبدالله كان يريد من السيدات عندما ينزلن إلى المدينة أن يلبسن الچادور، وأنا لم أكن البسه، وذات مرة شافونا نازلين أنا وأختي نعمت وكنا نرتدي ملابس فاتحة اللون وكان عمرنا 14 عاما ومش مغطيين، فجاء البوليس وإذا به الأمير عبدالله بنفسه بالسيارة، فقالت أختي نحن شركس شو بدكو فينا”.

في الأربعينيات كانت لمعة واحدة من نسوة قلائل كن يكتبن في المجلات، وكان معها من صديقاتها ثريا ملحس “كانت تكتب وهي من جيلي كتبت عدة مقالات أثارت ردودا قوية، فقررت أن أرد على منتقديها، وكان ردي يتميز بالسلاسة اللغوية ونشرت ذلك الرد بجريدة الأردن”.

مقالات أخرى نشرتها في مجلة الرائد، فقد كتبت في تموز 1945 تحت زاوية “نسائيات” بعنوان” الأردنية بين الجهل والعلم”، أشارت فيه على نمط الثقافة والتعليم والبيئة السليمة لتقدم المرأة الأردنية.

أحبت لمعة عمان وعشقتها “كنت أرى عمان أحلى بلد في الدنيا”، وهي تحمل في ذاكرتها قصة عمان عبر سبعة عقود، فتتحدث عن بنات عمان وعن مرافقها العامة ووجوه التسلية. وتقول “كنت اطلع أنا وصاحباتي من بنات عائلة ملحس على جبل عمان وكنا نجلس على الصخور، ثم لما تزوجت منيف كنا نخرج معا على الصخور، وكانت الكلاب تنبح علينا، وكنا نذهب لسينما البتراء قرب السيل.. لكن حياة بنات عمان يومها كانت كثير ضيقة”.

المرافق الخاصة بالنساء كانت قليلة في عمان “كان هناك كوافير بنزلة اللويبدة في أول شارع السلط، وهو من أصل ارمني”، كما أن المرأة كان رأيها في اختيار شريك حياتها محدود. وتتذكر “ذات مرة أرسل أحدهم رسالة إلى أبي يقول فيها لماذا تترك جواب البنت على الخاطبين بيدها، فأجابه أبي: أنا لا يوجد عندي جاريات”.

بالكاد تتذكر أم مؤنس تلميذاتها، ومنهن سعاد أبو الهدى، وتتذكر مدير المعارف الشيخ محمد علي الشنقيطي وكيف جعل “الفرصة بين الفترتين الصباحية والمسائية طويلة، كما ترى أن رئيس الحكومة سمير الرفاعي كان صعباً”.

العام 1949 تزوجت د. منيف الرزاز “كنت أقول لا يمكن أن أتزوج شخصا لأنه مهندم وحلو”. تعرفت إلى منيف بواسطة أخيها وليد، أول لقاء كان أثناء الدراسة في بيروت، ثم التقيا في عيادته ذات مساء، وقد أرادت أن تأخذ إبر تقوية، وتتذكر أنه سألها ذات مرة إن كانت تريد الزواج من شخص غني أم لا.

تبين لمعة أنها لما خطبت د. منيف الرزاز كانت صاحباتها يقلن لها “هذا ما عنده ارض ومال، على أيش أخذتيه؟”، وكانت ترد: “على مخه”. كان منيف في ذلك الوقت اكثر اهتماما بالسياسة منه إلى الطب، ومع ذلك كان يجد وقتا خاصا لزوجته “كان يأخذني للسينما، وكنا نجلس ونجلب انتباه الحاضرين فوق الدكاكين”.

من بيت صالح بسيسو الذي كان يعج بالوطنيين، انتقلت لمعة إلى بيت كان يشهد اجتماعات جيل جديد من القوميين والوطنيين، يومها كان منيف واحدا من مجموعة أطباء يصفهم عبدالرحمن منيف في كتابه “سيرة مدينة” بالقول “هكذا كانت ملامح الصورة الطبية في عمان أوائل الأربعينيات… كان هناك أطباء آخرون لكن لكل منهم أوضاعه الخاصة.. الطبيب يوسف عزالدين الذي كان بيته وعيادته قرب المدرج الروماني والطبيب جميل التوتنجي طبيب القصر الخاص، وهو سياسي، وفي فترة لاحقة منتصف الأربعينيات سوف تصل كوكبة من الأطباء المميزين طبيا وإنسانيا وسياسيا ومنهم عبد الرحمن شقير ومنيف الرزاز، وبعد فترة نبيه ارشيدات وجورج حبش ووديع حداد”، ولكن هؤلاء أسهموا في السياسة أكثر من الطب.

ومع ولع الزوج بالسياسة إلا أن “أصحابه كانوا يحسدونه، كان يدخل عليه في الشهر 75 دينارا، وله عيادة بطريق وادي السير”، ولكنه مع دخوله عمق السياسة بات يتعرض للخسارة، “أول ما بدأ يتفاوض لعمل الحزب في الخمسينيات، صارت انتخابات للحزب فأغلق العيادة شهر وعملها مقر”. وتضيف “وقتها عقلي طار”.

زوجة الطبيب السياسي تؤكد عبر أوراقها التي فتحتها لنا أنها “صبرت على الوضع، وكلما تعقدت الأمور نما الحب أكثر “صار حب كبير بيننا.. كانوا يعتقلونه دائما”، وتعترف “كانت هذه هي عقدة مؤنس”، معترفة أن الطفل كان شديد التعلق بوالده.

ذات مرة أتت الشرطة لاعتقال منيف، وكي لا تلفت انتباه الطفل مؤنس لوالده وهو يعتقل “خليت البنت اللي عندي تلف مؤنس بالحرام، ولكنه قال لي فيما بعد: شفتهم داهنين وجههم اسود”.

الحب والزواج من مناضل لا يستمر إلا بتقاسم الأدوار والقبول واقتسام الحب والمرارة معا، وكما لمعتقل الجفر سيرته المرة، فله تعزى أجمل الرسائل التي كتبتها لمعة لمنيف الرزاز.

وكما أن الجفر معتقل فقد أضحى نقطة التقاء ومحطة لاستقبال الرسائل والطرود، تقول لمعة “كنت ابعث لمنيف كل أسبوعين صندوق فواكه بواسطة السيارات، وكنت أبين له بالرسائل أن أوضاعنا جيدة وأني مدبرة أموري بالمصاري برغم أنها كنت في الحقيقة صعبة جدا…كنت لا أريد أن أزيد على قلبه”.

تذكر أم مؤنس أن الراحل محمد رسول الكيلاني مدير المخابرات طلبها ذات صباح “أبو رسول صفى صديق لمنيف بالآخر، وكان احد الواشين كتب أن منيف اجتمع في أوتيل ببيروت بمجموعة، وأنه كان يحضر لانقلاب على الملك حسين، فأبو رسول راح وناداني وقال جيبي جواز السفر، فقلت له أرجعنا للقصة القديمة، قال والله انك صايرة زي سميحة المجالي زوجة هزاع، التي كانت لما تتصل المخابرات بها تصيح بهم، وأخذت جواز السفر وطلعت لأبي رسول وأخذت معي ابني عمر، وكان عمر يحسب أن السجن هو المستشفى، ولما تأكدوا وجدوا ان التهمة ملفقة”.

دخل زوجها منيف سجن الجفر مرات عديدة بين عامي 1958-1963، ووضع بإقامة جبرية بعيادته، وفي فترات الاعتقال كانت لمعة تتواصل وترسل له الرسائل وتطمئن على رفاقه الذين كانوا معه أمثال أنيس المعشر ومحمود المعايطة وحمدي الساكت وغيرهم.

كتبت له يوم  31/6/1963 تقول: “البيت خال بدونك، وحتى رنين ضحكات عمر لا يخفف كثيرا من شعور مؤنس وشعوري بالوحشة والوحدة، وهو يحس بأن شيئا غير عادي قد حدث..”.

تواصلت رسائلها لمنيف الرزاز في الجفر، وبعد شهرين كتبت إليه بتاريخ 20/8/1963 تقول: “لا أكاد افرغ من الكتابة إليك حتى اشعر بحاجة للكتابة ثانية، ولو خلال وريقة تحمل عباراتي وأشواقي، مما يجعلني اشعر انك قريب مني.. حتى مؤنس استمرت ثورته عليك إلى ما بعد الظهر ثم طلب رسائلك ثانية ليقرأها..”.

تقلبت الأحوال بالزوج المناضل، فانتخب أمينا عاما لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، فرحلت معه لدمشق “سكنا قرب منطقة معرض دمشق الدولي القديمة، وأول ما رحنا صار انقلاب صلاح جديد على أمين الحافظ، فأضحت الحياة صعبة، وكان بيت عبدالرحمن شقير يساعدنا، وجاءت بنته ماوية ونامت عنا”.

بعدها حكم على منيف بالإعدام “جاءت جماعته وأخذته هو وابني عمر ووضعوهما في مكان ما بسوق الحميدية، في حين بقي مؤنس في بيت أحد الأصدقاء من عائلة السواح بدمشق، “أذكر أن مسلم بسيسو هو من هرّب منيف وأوصله إلى الحدود السورية اللبنانية ولبسوه لبس فلاح”.

وتنقلت لمعة مع زوجها إلى بيروت ثم  لجزيرة رودس ومنها إلى اليونان ثم إيطاليا فلندن. وبعد ذلك الترحال وجد منيف بعد حرب 1967 أن الهدف أصبح أكثر صعوبة، فعاد ليجدد دراسته في الطب، وسكنت الأسرة فترة بجانب محطة قطار لندن، ثم انتقلت لمنطقة ويمبلدون “كانت أجمل الأيام في بريطانيا واليونان، ثم عدنا لعمان بعد عفو عام أصدره الملك حسين رحمه الله”.

بعد العودة استأجرت الأسرة منزلا في جبل اللويبدة لداود عبدالهادي، ثم استأجرت بيتا آخر قرب مدرسة تراسنطه وبقيت في عمان بين عامي 1967 إلى 1977 ثم ذهب منيف للعراق، وهنا لا تنسى لمعة بسيسو يوم مغادرته للعراق “لما خرج من البيت عيونه كانت تبكي، قال لي رفعت عودة أحد أصدقائنا: أنا ما شفت واحد أتيحت له فرصة مثل ذلك ويبكي.. منيف فكر أن صدام ابن الحزب وتربى في صفوفه .. وأنا وزينة بنتي تبعناه فيما بعد.. وأول ما وصلنا عاملنا صدام مثل الطيور التي توضع بقفص ذهبي، وضعنا على نهر دجلة ببيت فخم، بعدها عرفت  قصة البيت بأنه لسيدة قتلوها وهي فارسية وصادروا بيتها”.

في بغداد لم يطل المقام والوعود، وسرعان ما مات الحلم وتغيرت رائحة النهر، إذ ما لبث منيف أن اتهم أنه دبر محاولة اغتيال لصدام حسين العام 1979، ليحكم علية بالإقامة الجبرية حتى العام 1986. كانت الوفاة صعبة على الزوجة إذ “دس له السم ليموت وينتق الدم من فمه”، لكن لمعة أبقت منيف بين ذراعيها لآخر لحظة بريق في عينيه، لتكتب فيما بعد:

“عينك يخبو فيها الضياء

يدك الدافئة

لن أحس بالبرودة فيها

يدك الدافئة أمسك بها بين أهدابي

استند إليها…أستريح”.

لمعة تكتب في وداع منيف 16-9-1984
لم تقل وداعاً ..
لم تقسو نظراتك ..
يدك السمحة بقيت في يدي ..
أصابعك الحنونة تداعب وجنتي ..

لا ترحل .. لا ترحل
ففي صدرك الكبير
يرقد الحلم الأكبر ..

لا ترحل ..
فالأصداف مدفونة
في صدرك ..
تحتضنها .. تخاف عليها
من سمك القرش ..
الشواطئ بعيدة ..
والأمواج عاتية..
والجزارون ينتظرون
سكاكينهم مسنونة ..
ينتظرون..
والضحية .. تقذفها
الأمواج .. تتلقى..
سكاكينهم ..
الضحية .. في وجهي..
ووجهك ..
والسكاكين مشرعة ..
وليس من مرفأ …

نور الصغيرة .. لم تقل لها وداعاً..
تنتظرك .. تسأل
ترقب الهاتف ..
ترفع السماعة..
جدي… جدي …
ويصمت كل شيء
وتلح ..وتلح
تريد أن تراك ..
ودون ذلك المستحيل ..
فقد رحلت..
والغصة في الصدر ..
والجرح ينزف
كما نزف صدرك ..
وأنت قريب .. وأنت هناك ..
وأنت معي أحسك في
شراييني وتنفسي..
أضيع..
ولا أجدني ..
معلقة أنا في الزمان ..
أين أنت …؟
لا يمكن أن تذهب هكذا ..
دائماً كنت تذهب …
والفراغ يمتلئ بك
نابضاً حياً … وتعود ..
تعود إلينا ..
معك تباشير الربيع
والعشب يبعث من جديد !
واليوم تسأل عيناك ..
ولا من مجيب ..
ويتفطر صدرك ..
ولا من مغيث ..
وحدك ملقى على السرير
وحدي أسابق الريح
والزمن …
تكل قدماي
وارادتي الساحقة
تجلدني بسياط
كاوية …
لايمكن… أن لا تكون ….
لا يمكن أن أفلت
هذا الخيط
واه … متقطع …
يتقطع بين أصابعي
و(الملمة) بعناد .. بإصرار
الفجيعة ..
مستحيل … مستحيل
رحيلك هكذا…


يدك الدافئة.. دافئة أبداً
لن أمسك بها..
لن أحس البرودة فيها..
لا يمكن إلا أن تكون
يدك الدافئة أبداً.. أمسك بها بين أهدابي …استند إليها ..
أستريح .!!