١٩٦٣/٨/٢ ” وين بابا “.. والقلق يغلف العائلة.

منيفي الحبيب

اكتب إليك وعمر يلعب بجانبي بألعابه وهو يصبحني كل يوم بالسؤال ” وين بابا ” واليوم صحوت ونظرت إليه ويدي على قلبي خوفا من سؤاله المعتاد ولكنه لم يسأل .. ولكنه أيضا لم يضحك ويلعب كعادته .. وعند الظهر لاحظت أن في وجهه اصفراراً ووجدت انه ساخن وقال الدكتور حسن انه التهاب بسيط قي حلقه وأعطاني الدواء اللازم .

في 5 الاثنين

أعود للكتابة اليوم بعد أن تركت هذه الرسالة بدون أن أتمها إذ وصلتني بعض الأخبار عن قدومك لأحد المستشفيات .. وكانت الإشاعة قوية جداً بحيث بدأت تصلني مكالمات تسأل عنك وعن المستشفى الذي تعالج فيه ثم سمع البعض الأخر بأنك عدت للبيت وفرضت عليك إقامة جبرية . وفي ذلك الجو من الإشاعات فضلت أن انتظر لعل وعسى أن نسمع خبرا إلى أن أتت رسالتك اليوم ولكن تاريخها 31 الشهر وهي لا تنفي ولا تثبت ولكني اشعر بحاجة إلى الكتابة إليك وأحاول أن أتخيل بأنها مجرد إشاعات وانك لا تزال في الجفر وان من الأفضل أن استمر بإرسال الجرائد إلى أن يصلني الخبر اليقين أو إلى أن استلم رسالتك القادمة لقد كتبت إليك في نفس النهار الذي كتبت فيه أنت رسالتك وأما الجرائد والمجلات فقد كنت أرسلها يوميا إلى أن وصلني ذلك الخبر فتوقفت وتركتها ملفوفة جاهزة تنتظر على الطاولة ! ولكني عدت اليوم ووضعتها في البريد إلى الجفر آملة أن تصلك . وقد أقفلنا العيادة ودفعت لوداد والولد ما تبقى من حسابهما . وأما يشان العيادة فلم تخبرني متى ينتهي إيجارها وان كنت تود الاحتفاظ بها .

عمر يطلبك باستمرار عندما يصحو وقبل أن ينام وهو لا يفتأ كلما سمع صوت سيارة أو جرس ان يركض وينادي ” اجا بابا”  وأما صحته فقد استردها ونزلت الحرارة البارحة فأوقفنا العلاج. وأما مؤنس فلم أكن انتظر منه كل هذا النضوج وهذا الصبر والاحتمال. وفي حيرتنا هذه حولك طرأت له فكرة بان يكتب لأمين  ليسأله عنك فتركته يكتب.. وها إنا اكتب وسأرسل رسالتي إلى الجفر فإذا كنت هناك فستستلمها ونطمئن عليك وإلا هل تُرى يعيدوا الرسالة إلي أو يحولوها إلى عنوانك المجهول. إن استلمت رسالتي فاكتب بأسرع ما يمكن فهذا القلق وأنباء مرضك ونقلك من الجفر وعدم تأكدي من شيء .. كل هذا يؤرقني ويشد أعصابي ولكنه لا يحطمها فلا تقلق ولا تخف علينا فإذا بدت مني بوادر ضعف في ساعة انشغال عليك فليس ذلك إلا بسبب لزومك الفراش طيلة الشهر الماضي.. وليس إلا خوفا أن يعود إليك ما كنت تشكو منه فان تطمئنت من هذه الناحية فصبري طويل قوي ينافس صبر أيوب ومؤنس يساعدني لدرجة كبيرة ولو تراه كيف أصبح يحمل المسؤولية وكيف يحنو على عمر وكيف عانقه بالأمس صباحا عندما طوقه عمر وهو نائم وقد ظن انه أنت لأنه نائم في فراشك ثم تحول نحوي وهتف ” هيو بابا نايم جنبي ” فاستدار مؤنس وضمه وبدا يلاعبه لينسيه خيبة أمله !

والدي ينام عندنا وهو يفكر بإلغاء سفرته لكي لا يتركنا لوحدنا مع أنني أشجعه على الذهاب وعدم تغيير برنامجه وأقنعه بأن لا ضرورة لذلك وهو لا يبدو مقتنعا والأرجح بأنه لن يسافر في الوقت الحاضر.

كنت قد اشتريت لك قميص سبورت لون كحلي وملون مع علبة مقوي وحزام  الرقبة عله يساعدك على تخفيف الحركة . ولكن أرجأت إرسالها إلى أن يصلني ما يؤكد لي مكان وجودك . كيف تشعر الآن أرجو أن تخبرني بالتفصيل . هل عادت الآلام نتيجة السفر بالليل وطول الطريق ؟! هل هناك أدوية أو أغراض تحتاجها ؟ ولك أحر القبلات مني ومن مؤنس وعمر.

لمعه

الرسالة بخط اليد: