نجوى الزهار

في وداع لمعه بسيسو الرزاز: لكل من أسمه نصيب

لقد قيل لكلٍ من اسمه نصيب، كانت ومازالت لامعه براقة كما تلمع حبات الألماس، فيها صلابة الألماس وفيها بريقه وانعكاساته.

هي لمعة الأمس ولمعة اليوم ولمعة الآتي. هي الجذور الضاربة في تراب روح كل من إستطاع أن يتعرف على روحها. إنها الأشجار. تلك الأشجار التي تتكسر أغصانها يوماً ما بفعل الريح أو بفعل يدٍ عابثة. ولعل مياههم تحجبها صخور متناهيه في الصلابة. ولعل الشمس تغيب كل السنين. ولكن هذه الأشجار لا تتوانى عن إستضافة نبات متناهي في الصغر لكي يتسلق الجذع وتتقاسم وإياه نعمة الغذاء.

هي الطفلة التي ما تزال ترى حجراً في طريقها، حتى تبدأ بمداعبته بدفعات طفولية. هي لمعة التى تدرس وتلعب بآن واحد، لأن حيوية الحياة تدور معها وبها. قادرة على تحدى منعها من اللعب خارج المنزل، فترتدي ملابس الأخ وتخرج لتلعب بالطابة.

وإذا ما أردنا أن نفهم لمعه أكثر، كيف كان مشوارها ومازال، علينا ان نقترب من منطق الجزئيات وكيف تتراكم. وكيف كانت تتعامل مع التفاصيل الصغيرة. تلك التفاصيل الصغيرة هي بالحقيقة التى تؤدي إلى النتائج الكبيرة.

فلقد كتبت لمنيف في رسالة 15/9/58   :

     ” وانك تظن بأني اتحمل الكثير. وان المشاكل المالية تضايقني، انت غلطان جداَ. فهذه المشاكل وقتية..   وهي لا تحمل من تفكيري وأعصابي أكثر من أي مشكلة روتينية أخرى. كتصليح ساعة ماء”.

وعت لمعه مبكرة و مبكرة جداً ان الوطن بحاجة للقوة الايجابية من المرأة.. والرجل.. وان هذا الإنفصال في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل لا يُفيد أي منهما، كليهما بحاجة للحقوق التى تحفظ الكرامة.

هذه هي النظرة الحقيقية لبناء الأسرة والوطن. فتدعم الزوج الماضي في طريق تحقيق الأحلام، تلك الأحلام كانت أيضاً أحلامها ولكن مخاوفها النابعة من تجليات الأمومة. أطلت على مشوارها بأكثر من شكل ومذاق.

 فكتبت  في رسالة لها :

” هذه الأمة المنكودة في عالم اختطلت فيه الأمور  فما عاد الإنسان يدري موقع قدميه، أهو على الشط؟ أم في لجج البحر العاتية ؟ أيقفز الى اليمين أم الى اليسار؟ وأيهما اليمين وأيهما اليسار؟ وأين يقع الحق بينهما؟  أين يقع حق الإنسان كإنسان حي له قدسيته وله حقوقه وله حق العيش الحر وتقرير المصير؟ “

وعندما عرفت ان مراكب البهجة قد بدأت بالرحيل من الطفل مؤنس تحركت الأم الصديقة لمؤنس وكتبت لمنيف:

 أما مؤنس فقد قررت تغيير الجو بالنسبة اليه، مهما كلف الأمر فقد أصبحت أخاف عليه من الإنهيار العصبي، فأعصابه الطفلة لا تستطيع الصمود لهذه الدوامة “.

هي تشرح للأب، ولكن عصاها السحرية لا تتركه وهو السجين بلا حلول.

لأنها طوبة الحب.  امتلكت يداها دفء شمس منتصرة وتراب وطن معجون بقطرات الندى. فاستطاعت أن تبقى دائما وأبداً ملاذاً.. سكينةً.. وأماناً.. لكل الذين قُدر لهم أن يُكونوا معها علامات مضيئة على الدرب. بعض الأرواح تأتي إلى الدنيا هكذا لعلها تود أن تكون مسكناً آمناً لخميرة الحب. ولعلها تود أن تكون علامات فقط. علامات على الدرب.

أما الذين لم يتقارب زمانها مع زمانهم. ولا مكانها مع مكانهم. فتركت لهم جزء من ذاتها عبر رسائلها الممتدة مع منيف.. مؤنس.. وعمر.. فكتبت لنا جميعاً :

” في قلبي دواوين حب، لن يكفيني ما بقي من العمر لأشرحه لكم “

تداري الألم بالأمل، ثم تعيش مع ذاتها بكل صدق وحميمية، فهي استطاعت في ذلك الزمن، ان تتعرف على نعمة الخيال وعلى سحر الأحلام. بأن تحضر البحر، البحر المتوسط كله على شباك نافذتها في بغداد أثناء الإقامة الجبرية. فرأت البحر ورأت الوطن و ركضت في الروابي، صعدت التلال الخضراء. أمسكت بالماء بين يديها.

وأما نحن فنقول لك ياأيتها الشمس التى لا تغيب :

” من ذا الذي زرع حبة الأمل في هذا التراب

ولم يفض عليه ربيع كرمه بمائة حبه “ (الرومي)