سلطان النوم وزرقاء اليمامة

المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت1996

“الناس أجناس، والجنون فنون. الذين يأوون إلى أسرتهم أو فرشهم، ينتقلون إلى سلطنتي، يتركون أجسادهم على الأسرة كما يترك المرء الغطاء على السرير، ويقبلون على سلطنة المنام بنسخة طبق الأصل من الجسد، وفي القيلولة كذلك بعضهم يقيل وهو مسترخ على مقعده، فينسى جسده على مقعده ويأتي، كما ينسى مسافر معطفه أو حقيقته على مقعد في قطار أو حافلة. ولكنه يأتي أيضاً صورة عن الأصل. وأحياناً، حين أتغلب على سلطان الخيال، أضمّ اقليم أحلام اليد تربية العقائدية إلى سلطنتي. أحلام الفلاسفة في إقامة مدن فاضلة ودول تتحقق فيها العدالة والمساواة، وثورات تسعى إلى نقل مشروع الحلم النبيل السامي من البال إلى الواقع. والأحلام حق من حقوق الإنسان. لا يقل أهمية عن حقه في الخبز والهواء.. والماء.. وجوه الناس في النهار، أقنعة في ليل سلطنتي، يخلعونها كما يخلع المرء حذاءه، ويكشفون عن الوجه الحقيقي الأصيل الذي يحرصون على إخفائه، وهم يسعون نهاراً على سطح الأرض. سطح الأرض كلمة خطيرة. فلا شيء له نكهة الأصالة على السطح، فوهم وتمثيل وتزوير ورمز… رأيت في حياتي السدود تنهار بين الواقع والحلم، وبين الذاكرة والخيال، وبين الماضي والمستقبل، قبل انهيار سد مأرب.. رأيت اليابسة تنتحل البحر، والبحر ينسى نفسه فيلعب دور اليابسة. رأيت الفلسفة تنزل من السماء إلى الأرض على يد سقراط، ورأيت الإنسان يصعد من الأرض إلى السماء على يد الثورة التكنولوجية وعصر الكمبيوتر. لا حدود ولا سدود ولا حواجز ولا متاريس في سلطنتي، سلطنة الأحلام من جهة، وما يتداخل بها وفيها من عوالم أخرى من جهة ثانية… ولا أقايم محظورة على الكائنات في سلطنتي، ولا مناطع منع تجول، ولا كيانات محاصرة، ولا غرف محرمة”.