١٩٦٣/٩/٢٥” الرسائل تنهمر وعلوم الطبخ تزدهر.. وهل تدفع الزوجات الثمن؟ “

الجفر

لمعتي

كان يجب أن تريني البارحة بعد أن استلمت رسائلي الثمانية دفعة واحدة.. ثلاثة منك وخمسة من مؤنس عدا رسالة مؤنس إلى حمدي. كان يجب  أن تريني بعد أن مر علي أسبوع كامل لم استلم فيه منك إلا رسالة واحدة قصيرة مكتوبة بغير نفس نقلتني مباشرةً إلى الحالة النفسية التي كتبت فيها أنت تلك الرسالة والتي كانت تبدو في كل حرف من حروفها. لقد كان الأسبوع الماضي أو العشرة أيام الماضية من أكثر أيامي كآبة في الجفر ولعل هذه الكآبة قد ظهرت آثارها في رسائلي. ولاشك أن من أعظم أسبابها إضطراب البريد بيني وبينكم بشكل غير معهود في هذا الشهر كله. في هذه الحالة النفسيه كنت عصبي المزاج، صعب التفاهم، سريع الانفعال، ولم يبق حولي إلا من نالة ولو خرطوشة بسيطة من هذا كله. وحالما استلمت الرسائل البارحة، وكنت في المطبخ اطبخ، حتى انقلبت حالتي بسرعة غريبة، وإذا بي أنا أنا الذي تعهديني في أحسن أحوالي. وكنت أظن أن المدة بدأت تفعل فعلها في. ولكن ثبت أن أي مدة ليس لها أي أثر إذا استمر اتصالكم بي واتصالي بكم. تركت الطبخة عالنار، وبدأت أفتح الرسائل واحدة واحدة وأرتبها حسب تواريخها وأقرأها وأحس أنك تتحدثين إلي وكأنك بقربي لا تفصلنا كل هذه الصحاري والقفار. ثم أطل على الطبخة بين الرسالة والرسالة لئلا تحترق. وكانت أكلة البارحة، لعلها من أجل ذلك، من أنجح الأكلات التي طبختها حتى الآن. وكنا نتحدث أنا وشريكي في الطبخ الدكتور رفعت(1) عن هذا العلم الذي اضفناه الى علومنا. وقلت له ان الخاسر الوحيد في كل هذه العمليه هن زوجاتنا. فقد كنا نأكل مايقدم لنا في السابق دون أن نسأل ما هو. أما الآن فسنزعجهن من كثرة تداخلاتنا وأسئلتنا. هل وضعتم الكزبرة؟ هل خففتم النار؟ لماذا لم تضعوا كميه أكبر من الثوم. وهكذا. ولن يكونن سعيدات معنا بعد اليوم.

في البريد الماضي لم اكتب رسالة لا لك ولا لمؤنس. وهو أول بريد منذ جئنا لا اكتب فيه. فقد كانت حالتي النفسيه كما وصفت. ولم أكن قد استلمت رساله منكما. وكان الجو فوق هذا وذاك عاصفاً وعامراً بالغبار ومظلماً. فلا نحن مرتاحون داخل الزنازن ولا نحن مرتاحون خارجها. وإنما لففت رأسي بالكوفة أتنقل بين الخارج والداخل لا يرتاح لي قرار. وكنت أخشى إن كتبت أن أنقل لكم صورة كئيبة جداً لحياتنا. ولعله كان من الأفضل أنني لم أكتب. وهدأت عاصفة الجو بعد حوالي ثماني ساعة وهدأت عاصفتي أنا حين استلمت رسائلكم الثمانيه أمس. صحتي في تحسن مستمر. ولا شك أن الذي قاله أمين  في أنني زدت وزناً صحيح. ولكنك تعرفينني. غير معقول أن أزيد عن خمسة أو ستة كيلو. وإن كنت أستغرب لماذا لا أزيد. فأنا والدكتور رفعت أكبر أكيله في براكسنا، ومع ذلك فنحن أضعف اثنين في زملائنا. وعندما يوزع الطعام ظهراً فالجميع يقدمون لكلينا أكبر صحنين. ومع ذلك فنحن انحف اثنين. كنا ومازلنا.

أخبرتك سابقاً بوصول الطرد أي السجاير والكلسونات. ثم سحارة الفواكة. وكذلك الطرد الذي فيه الدارترونول وبشكل أو بآخر فقد فقدنا كروز سجاير. لابأس!. أما الشيك بمبلغ 220 دولار، فاصرفيه من البنك الأهلي واقبضديه. لأنه إذا مضى على تاريخ الشك ستة أشهر يصبح غير قبل للصرف. فلا تحتفظي به.

ورسائلك مليئة بأخبار عمر ومؤنس. وإنني لأتصورهما أمامي كلما كتبت عنهما بالتفصيل الحلو الذي تكتبين. وإنك لتعطينني صورة عظيمة عن عمر في المدرسة. وكم كنت أتمنى أن أراه. ولكن ألا يمكن أن تخففي من تعلقه بك لتتركي لي فرصة للمستقبل؟!

لم أمل، ولن أمل من التحدث إليك. ولكني سأكتفي الآن. للأولاد حبي وقبلاتي. ولك ما تعرفين من حبي وشوقي.

منيف

 الرسالة بخط اليد:

 

(1) الدكتور رفعت عوده.