١٩٦٣/١٠/٢٩ ” طقم الستات” يواسين بعضهن البعض.
منيف الحبيب
كنت احاول أن أعد الايام التي مضت دون ان نستلم منك رسالة فإذا ببهيه تتكلم بالتليفون لتستفسر وتقول بأنها لم تستلم اي رسالة من حمدي لفترة طويلة أي انها لم تستلم رسالة حتى مع رسائلنا التي وصلت قبل ثلاثة أيام، ولكنها عادت في اليوم+ذ التالي فطمنتنا على استلامها مكتوبين معاً فما بال حمدي هل هي الانفلونزا التي أخرته ام البريد كم المعتاد؟ ولكنها بالفعل تستحق الاعجاب بما تبديه من تحمل وصبر ونحن من جهتنا نحاول جهدنا تسليتها والتخفيف عنها، وقد كانت عندي البارحة وكانت بادية اللهفة على سماع مايؤملها بقرب عودتكم. ولكني وفي هذه الفترة كنت لا أملك إلا أن أصارحها بان الطريق امام عودتكم قد تكون قصيرة وقد تكون طويلة ولكي لا نصدم أو نعاني خيبة الأمل علينا أن نحضر اعصابنا للطريق الطويل وأن نكيف حياتنا ونرتب امورنا على هذا الاساس فإن حدث وعدتم كما ذهبتم، هكذا بدون مقدمات كانت الفرحة اكبر والمفاجأة أعظم.
اليوم تناولنا الغذاء عند جولييت ” طقم الستات” طبعاً وكانت بينا مي الوحيدة التي تختلف عنا ودعتها جولييت على شرط أن تزرع زوجها وتوزعه في جهة ما لتحضر لوحدها لئلا “نأخذ على خاطرنا” وطبعاً رتبت جولييت الامر بحيث يصدف أن يكون زوجها هي مدعواً إلى الغذاء في الخارج! أما الخنشور الوحيد بيننا فكان عمر وقد اخذ مجده تماماً. وتفرج على عصفور جميل في قفصه وسأل عنه اسئلة لاتحصى.. ثم حمل كيساً مملوءاً بالحلوى والشيكولاتة هدية للبيت. ومع أنه رافقني اليوم منذ الصباح عندما أخذته الى المدرسة ثم الى الغذاء وبعدها أخذه خالد مشوار طويل ليتفرج على الأضواء.. مع كل هذا عندما نزلنا – وكنت قد شددت في التنبيه عليه بعدم البكاء عند النزول لئلا يزعل خاله – لم يستطع إلا ان يقول “ماما أنا رايح أبكي” ولكن لحسن الحظ لم يبكِ لأول مرة. ولكنه أصر على عدم التحرك عن الرصيف إلى أن دور خالد وعاد بسيارته وغاب تماماً عن الأنظار.
هل تنزل مع الأهل الى اريحا في الشتاء؟
لقد أخبرتك برسالة سابقة ان والدي إستأجر البيت الصغير الذي يقابل البيت الذي كنا فيه الشتوية الماضية وهو بيت مستقل بحديقة جميلة إلى جانب بيت المعلمات. وهو مُصر على ان أذهب معهم وابقى طيلة غيابك، ولكني لا ادري إن كنت سأستطيع ذلك بالنسبة للانقطاع الذي يحسه الانسان هناك وبالنسبة لمؤنس مع أن أولاد نعمت متحمسون جداً لبقائه معهم.
كان واضحاً ان الأسرة والأقارب لم يستقروا على قصة واحدة تجاهي حول مكان وجود الوالد، فكانوا يقولون بابا في الشام حيناً، في بيروت حيناً، في المستشفى حيناً وفي السجن حيناً آخر. ويقال أن جدي سألني ممتحـناً: وين بابا ؟ فـقـلـت في السجـن. فـصدم للإجابة وقال مين قالك، بابا في المستشفى. فأومأت موافـقاً: مهو السجن يعي مـستشفى يعني الشام يعـني بيروت!!
الجميع يسلمون عليك ونحن في شوق يزداد يوماً بعد يوم. وقد صحا عمر اليوم يسأل عنك عندما فتح عينيه. ثم سرد قصة عن الشرطي وكيف أمسك بيد البابا ثم قال “حبس بابا” فنظر الي مؤنس مستغرباً تلك القصة التي نسمعها منه لأول مرة. وسأله من قال لك هذا؟ فأدار يده بحركة فيها حيره قائلاً “ما بعرف” ولست أدري إن كانت عديلة ذكرت ذلك امامه إذ أنها عند نعمت الآن، أو أنها الصورة التي رآها في تلك الليلة عندما ذهبت بقيت عالقة في مخيلته.. إذ أنه أضاف بعد قليل ” انت لأ تزعلي وتبكي بابا بدو ايجي” ووضع يديه الصغيرتين حول عنقي وقبلني.. واستلمه مؤنس عندها بحنان كبير وشفقة بالغة واخذ يقص عليه القصص الى ان اضحكه وعاد البريق الى عينيه وهو يسمع كيف ستعود من بيروت حاملاً الهدايا الجميلة.
هل لديك بجامات شتويه؟ هل وضعنا لك بعضها عند ذهابك؟ لم أعد اذكر. إن كنت بحاجة اخبرني لإرسالها لك.
قبلات واشواق من الاولاد. ولك حبي وشوقي.
لمعه
الرسالة بخط اليد: