منيف الحبيب
اليوم استلمنا رسالتك المؤرخه في 2/12 بعد إنتظار طويل فقد مر اكثر من ثلاثة عشر يوماً بدون أن أسمع منك أي شيء. عدا رسالتك لمؤنس التي وصلت في ثاني يوم عيده. ولكني داومت على الكتابة طيلة تلك الفترة على أمل أن تصلك رسائلي إن لم تصلني رسائلك، ولكن يبدو انك لم تكتب لي لعدة أيام إذ أن آخر رسالة تلقيتها منك كان تاريخها 23 على ما أذكر ثم اتت رسالة اليوم وفيها تلومني على تشاؤمي وترى ان هناك نواح مشرقة في الظلام، وليس لي إلا أن اقول بأني أريد أن أرى الإشراق وأود لو رأيت سبيله وأرجو مخلصة ان تكون على حق في تقديرك واكون انا المخطئة المتشائمة. وعلى كل فقد اعتدنا دائماً أن نرى انك تزن الأمور بميزانها الصحيح. فلعلك على حق ولعل هذا التفاؤل أو الاطمئنان يسري إلى نفسي فتهدأ ثانية ونطمئن.
كان الطقس هذين اليومين رديئاً للغاية فلم تنقطع الأمطار واشتدت البرودة وكانت الرياح تعصف بشده هائلة فتصطك الشبابيك والأبواب وتحدث اصوات مزمجرة في الخارج بحيث ركض عمر نحوي خائفاً يسأل بصوت هامس ماهذا ياماما، فلما شرحت له وطلبت منه أن يردد معي كلمة هواء وعاصفة كان يرددها بصوت خافت وكأنه يخاف من قوة غريبة تكمن في الخارج ولا يريد لها أن تسمعه.
ستصلك رسالتي على أحسن تقدير يوم عيدك أو بعده بيوم إن إستمر هذا البطء في تسليم الرسائل ولذا فسأنتهز الفرصة وأضمنها كم كنا نتوق لو قضيته بينا. ولكنها تمنيات فهل تستطيع نقل كل مانريد أن تحمله؟ كل شوقنا وحبنا ولهفتنا ؟
درس الجغرافيا وصوت منيف
مؤنس يريد أن يصبح بطلاً رياضياً ويريد أن يكون عالماً إلى جانب ذلك ويسأل هل في الإمكان الجمع بين الإثنين؟ ثم يقف ليستعرض عضلاته أمامي ثم يجلس ليدرس ويراجع مواد الامتحان وبين حين وآخر يعود للسؤال عن الرياضة فضقت به وبطريقتة التي يدرس فيها فأخذته إلى غرفته ووضعت له دفاية الكهرباء ليستطيع تجميع أفكاره. فنجحت الطريقة وعاد بعد ساعة وقد إنتهى من درس التاريخ واراد البدء بالجغرافية، وجلس بجانبي يرد بملل الجمل والمعلومات ثم قال بضيق أنا لا أحب الجغرافية ! فقلت له لأنك تدرسها بطريقة خاطئة بدون أطلس. ثم فكر أنها معلومات جديدة عن بلاد لا تعرفها ألا يشوقك أن تعرف كيف يعيش غيرك وأين وماذا ينتجون وكيف تختلف بلادهم عن بلادك.. إلخ فأعجبته الفكرة وتحمس لها وقال الآن أستطيع أن اقرأ كل هذا بلذة. ثم أضاف بعد أن قرأ بضعة أسطر “هل تعلمين أني الآن أنا اقرأ أشعر وكأن صوت أبي يقص علي هذه المعلومات فأسمعها وأفهمها وأحفظها. فقلت “حمداً لله”! فقد وجدنا الطريقة أخيراً. فكل شيء يستدعي إنتباهه وحبه يجب أن يتصل بأي شكل بك وفيك.
لقد علمنا هنا أن الجرائد لن تصلكم ولكن بعد أن استمريت إلى أول أمس بإرسالها جميعاً ولم نعلم إلا بعد أن حاولت إسعاف إرسال بعضها مسجلاً فرُفض ذلك. ولهذا فقد توقفت ابتداء من الأمس عن إرسال الجرائد وسأنتظر إلى أن تخبرني بإرسالها. هل يشمل التأخير المجلات ايضاً؟
قرأت الآن رسالة مؤنس إليك وهو يتحدث عن جمال الطقس الذي كان اسوأ ما يمكن! وتذكرت الأيام التي كنا فيها نشعر مثل شعوره ونجد أن الذ مشوار هو تحت المطر. وقد برهن على أنه له نفس الميول إذ كنا عند وليد ومها على الغذاء يوم الاثنين -البارحه- ولكنه فما يبدو نسي ذلك فأتى إلى البيت سيراً على الأقدام تحت وابل المطر ولما لم يجدني ذهب لعند نعمت ومن هناك أتى لبيت وليد – والرحلة كلها على الأقدام- ولما وصل كان وجهه مشرقاً متورداً فسألته هل يحس بأقدامه ما زالت تحته أم طارت؟ ضحك وقال كان مشوار لذيذ! وكان يحمل فوق ذلك شنطة المدرسة الخالدة وهي وحدها يلزمها عتال! وبالمناسبة فإن بيت وليد الجديد يقع قرب بيت خالد القديم جهة مدرسة الأميرة عالية في آخر جبل اللويبدة المحاذي للعبدلي. ولكنه بيت رائع بالفعل ومع أنه طابق ثاني فإنه من الداخل لا ينقصه أي شيء من حيث الترتيب والدهان والمطبخ الأمريكي التنظيم.
وأما رسالتك لمؤنس في عيد ميلاده فكانت رائعة سُر بها كثيراً بالرغم من صبغتها الحزينة، فقد كان حزيناً لغيابك ولم يكن ليفيده، بل لعله شعر بأنه أقرب إليك وقريب جداً وهو يلمس أنك حزين لبعدك عنه تماماً وبنفس الدرجة التي يفتقدك فيها. إنه لا يريد من الدنيا أي شيء سواك، سوى عودتك إليه. هذه الجملة يكررها كلما دخلنا في مناقشات فلسفية حول جدوى ونفع البعد وتأثيره في خلق الرجل وتقوية شخصيته.
سننزل في الغد إلى أريحا لتمضية الخميس والجمعة بمناسبة عطلة الخميس نعود بعدها لأسبوع إمتحانات مؤنس.وقد عاد لبذل مجهود لا بأس به ومتوقع أن تكون النتائج أحسن هذه المرة .
لك قبلات الأولاد وتحيات الجميع وحبي وأشواقي.