مــؤنس الــرزاز

من هو :
مؤنس منيف الرزاز (1951-2002 م) روائي أردني ولد في مدينة السلط. وهو ابن السياسي والمناضل منيف الرزاز الذي عاش في الأردن فترة من حياته وشقيق رئيس وزراء الأردن عمر الرزاز. له عدد كبير من الروايات ونشرت أعماله الكاملة عام 2003 بعد وفاته.

رواياته :
أحياء في البحر الميت،
جمعة القفاري (يوميات نكرة).
ادم ذات ظهيرة
اعترافات كاتم صوت.
حين تستيقظ الأحلام.
متاهات الأعراب في ناطحات السراب.
ليلة عسل.
الذاكرة المستباحة
عصابة الوردة الدامية.
الشظايا والفسيفساء.
النمرود (مجموعة قصصية).
مد اللسان الصغير في وجه العالم الكبير (مقالات ساخرة).
رواية سلطان النوم وزرقاء اليمامة.
قبعتان ورأس واحدة.
مذكرات ديناصور.
له العديد من الكتابات المنشورة في صحف عربية واسعة الانتشار. شغل منصب رئيس تحرير مجلة افكار الثقافية الصادرة عن وزارة الثقافة الأردنية حتى وفاته بتاريخ 8 فبراير 2002.

 

من أقوال مؤنس الرزاز

اتركوني أنتمي إلى الأقليّة المنشقة “الخارجة” التي ينتمي إليها تيسير سبول وعرار ونيتشه وفرجينيا وولف وإدغار ألن بو ودستويفسكي.

 

أعترفُ أنني بتُ رجلاً أخطر، إذْ تناثرتُ في مهبِ الحريةِ وذبتُ في حامِضِها. كلما اندّمجَ المرءُ في الحريةِ غدا أكثرَ خطورةً … بلا صماماتِ أمان، بلا أيِ صمامات … أمانٍ أو غير أمان.

 

إِخمدوني في الصخر أَنمو. إِطحنوني بمطارقِ البحرِ أزهو جلّلوني بالسلام الداخلي، إِبسطو فيَّ عالمي الجواني سكينة خضراء … أحترقُ وأنهار.

 

الفرق بين الدنيا والحياة: ما أروع الحياة. الحياة إحساس مرعش بنداءِ حرية مطلقة. الدنيا تتحكم بها قاعدة الضرورة.الحياة نطاق الخيارات. الدنيا مواقع الحتم، الحياة خروجٌ عن القاعدة وعليها. الدنيا انضباط المضطّر … أو المذعن.

 

أعرفُ أنني سأموتُ يوماً. ولكنني أعرف أن أحفاد “نيرون” وذراري “قرقوش” وتلاميذ الحجاج بن يوسف الثقفي سيموتون أيضاً. اعرف أن الرجل الذي أمر بإعدامي سيموت هو الأخر ولو بعد حين

 

أنصح المثقفين عدم الإِقتراب من السلطة، وأخذ الحيطة والحذر من السلطويين، لأن المثقف هو الطرف الخاسر والأضعف … والدنيا صراعُ بقاء، والبقاءُ للأَقوى!

 

الحياة وقصتها

خريف العمر، غضون الحياة صرخة الميلاد بعد اليوم الثالث من مذكرة جلبي إلى هذا العالم. جبل اللويبدة شيخ مسنّ متهالك يلهث. يمشي محدودب الظهر، والريح تعبث بمعطفه الثقيل القديم. معطف كان عريقاً أرستقراطياً فصار عتيقاً شاحباً قد انتفخت الجيوب تحت عينيه. لم يشرب الدهر عليه ويأكل فحسب، بل ودخن أرجيلة ما بعد الأكل ورقد بكل ثقله عليه عند القيلولة.
 

يا إلهي، أنظر إلى المرآة فأرى جبل اللويبدة يحدق فِيّ بعشرات العيون. في حارتنا شيوخ وعجائز نبتوا في الجبل مع أشجار السرد، لكن أسراب أبنائهم هاجرت إلى غرب الجبل حيث اختلطت القطط السمان بأثرياء وتجار الحروب والسماسرة وعائلات نزفت عرقاً تحت شمس الخليج وعائلات ورثت أراضي في مواقع حساسة فباعت وأقامت قصوراً فخمة وسيارات شبح.  

 جبل اللويبدة مركز محيط دائرة حياتي المفرغة… ثمة عائلات من عمان الشرقية حسّنت أوضاعها المادية فانتقلت إلى جبل اللويبدة. ملامح الجبل تتغير، تفذ الخطوَ مع خطواتي نحو شيخوخة مبكرة وهبوط طبقي واضح. كيف ارتبط مصيري بمصيرك أيها الجبل المكدود؟ *** سوف أغادر معمعان القتال بعد أن خسرت كل معاركي وربحت حربي، فأعتزل الدنيا والناس وأقضي ما تبقى من حياتي مع أبطال الروايات وبطلات القصص، سأقطع خط الهاتف، وأعطب جرس الباب، فاعذروني. أعتذر من البشرية كلها عن وجودي، عن إشغالي حيز قدمين على هذه الكرة الأرضية، أعتذر عن كميات الهواء التي تنشقتها، فقد كان غيري من أصحاب مرض الربو أو سرطان الرئة أَوْلى بها والله أعلم. أعتذر عن اقتناصي فرصة غيري في احتلال موقع موظف ذي راتب شهري يكفي لإقامة الأود، كان ينبغي أن أتبرع برواتبي كلها للبشرية، لكنني لم أعثر على بنك للبشرية، وأنا لا أثق بالبنك الدولي (مرّق لي إياها يا أخي الحبيب عمر، فقد مرّقتَ لي كبائري كلها، وقبّلتني كما أنا بكل خطاياي وجنوني، أقصد عدم سويتي).  

انتهت قصة حياتي، على أن حياتي لم تنته بعد. انتهت قصة حياتي، على أن عمري لم ينته بعد. جعفر الطيار انتهت حياته قبل أن تنتهي قصة حياته، هل تفهمونني، أعني أن قصة حياة جعفر الطيار انتهت على نهاية حياته، كذلك غيفارا. لكن قصة حياتي أنا انتهت ولم تنته حياتي بعد، مثل خروتشوف. فقد قرر ذات يوم كل من كوسيجين وبريجينيف ورفيق ثالث نسيت اسمه إنهاء قصة حياة خروتشوف في منتصفها وإحالته على التقاعد وهو في عز عطائه، وأخفوه في بيت ناءٍ حيث قضى بقية حياته في العزلة بلا قصة حياة. نعم، هكذا انتهت حياة الرجل الذي ضرب طاولة الأمم المتحدة بحذائه، وتنبأ بانهيار الامبراطورية الرأسمالية الامبريالية في التسعينيات من القرن العشرين، فانهارت الامبراطورية التي كان هو واحداً من الذين ساهموا في بنائها! إذن، انتهت قصة حياتي وقد اجتزتُ ثلثي عمري فقط. انتهت بعد معارك ضاربة هزمت فيها كلها، لكنني انتصرت في الحرب. انتهت قصة حياتي عام 1994 حين ربحت الحرب بعد ما خسرت المعارك وخرجت من الميدان مثخناً مظفراً، فكتبت ثلاث روايات، ثم تبينت موتي الأدبي المعنوي مع مطالع 1998. لن أنتظر الموت يقرر لخطة مصادرة عمري. هذا ترف لن أمنحه للموت. لقد قرّ قراري على ممارسة هذا الترف بنفسي. وبما أنني لن أضع حداً لحياتي العضوية (الأكل والشرب والنوم واستخدام بيت الراحة أو الحمّام والقيام بوظيفة الدوام في وظيفة)، وبكلمة أخرى أقول: وبما أنني لن أنتحر بات، إذن، من حقي أن أختار لحظة موتي المعنوي والأدبي، ثم الاسترخاء على كنبة وثيرة كما يسترخي المتقاعد، وألعب وألهو مع أصدقائي مثل الإخوة كرامازوف مثلاً، أو أغازل نساء حميمات مثل الليدي تشاترلي أو مدام بوفاري أو أنا كارنينا. نعم، هذا ما سأنهمك به إبان انتظاري للفرج النهائي الذي يختار الموت العضوي ساعته بالنيابة عني. إذن، حطمتُ اليوم قيدَ الحياة، نعم هذا اليوم بالذات، أي حين انتهت قصة حياتي مع أن حياتي لم تنته بعد (لا أكتمكم أن الحياة بلا قصة حياة مثير للضجر). 

البلاغ رقم واحد انقلبت على عقلي، انتزعت رأسي كما ينتزع المرء قبعة، ثم رميت بعقلي في سلة المهملات، فتحت جمجمتي كما يفتح أحدكم خابية، واستخرجت دماغي المرضوض وألقيت به في السلة. زرعت في رأسي خواء وهواء وهباء، ألا تسمعون الريح تطلق صفيرها وهي تهوي في جمجمتي المجللة بشعري الجعدي؟ نعم، أنا طلبت أن أتهوّى، أردت أن أهوّي دماغي، أقصد رأسي، ليدخل الهواء إلى رأسي المحصن كقلعة، ولتفتح هذه القلعة بواباتها الثقيلة العريضة لأشعة الشمس. لا، لن أعيد قصّ قصة حياتي عليكم، إعادة قصّ قصة انتهت واستُعملت واستُنفدت طزاجتها.. قصة مثيرة للضجر، وقد أختصرها للفضوليين بأنها حياة افتُتحت بمشروع شهيد وسط أجواء حماسية هادرة، وانتهت إلى عدمية لا يبالي صاحبها بكشّ ذبابة عن أنفه، حتى قيل إنه أسس حزباً للتنابل ذي شعارات لافتة: كسل، تثاؤب، تمطٍّ، وقيل إنه أضاف طز أو يصطفلوا أو حط بالخرج… والله أعلم. فصوص الحكم أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، لكم حياتكم ولي حياتي.. عفواً، أقصد لكم أعماركم ولي عمري، فقد انتهت قصة حياتي كما قلت، ولم يبق معي في وحشتي وعزلتي واعتكافي سوى كميات كبيرة من العمر النيئ غير المستوي! لقد رحلت إلى مهب الجنون، لم أعثر في رأسي المخلوع إلا على خيال.. ثلاثة أرباع دماغي كان خيالاً! تصوروا؟! أقصد دماغي الذي رميته في سلة المهملات مع خوذتي ودرعي بعد أن انتهت قصة حياتي ولم تنته حياتي.  عشقت مرة، كان شَعر حبيبتي الليلي يقاطع ثرثرة النهار بلا لياقة، بياض النهار يسهب وشَعر حبيبتي الأسود المسترسل يقطع عليه الكلام، شَعر حبيبتي المظلم مثل قاطع طرق أو قرصان.

 

– تقمصت الخريف، قميصي يابس أصفر شاحب، كأنه سوف يسقط مع سقوط أوراق شجرة عائلتي. ماذا أتقمص إذا سقط قميصي في هذا الخريف الأبدي الأخير؟
من يومياتي الساعة التاسعة صباحاً.. أمشط شَعر خطاياي، أزين إثمي، وأرمق صورة أبي الروحي بنظرات شزراء، لماذا يا أستاذ؟ لماذا فعلت هذا؟ ليتك متَّ قبل هذا فكنت وكنا نسياً منسياً!  أورث عمري لكم، كل ما تعلمته منذ كانت أظافري ناعمة.. خذوه.. ودعوا لي غرائزي طازجة عذراء مشعثة الشعر، ثوبها ممزق والحذاء بلا كعب، اتركوا لي غرائزي لي كما ولدت، وخذوا معرفتي وبأسي وثروتي.

بهاء طاهر

“ما هي عناصر التجديد التي أضفاها أو أضافها مؤنس إلى الكتابة العربية؟ من يقرأ كاتبنا للمرة ألأولى يدهشه دون شك هذا المدى الرحب من الرؤية الإنسانية، هذا الشمول الذي يحتضن الثقافة العربية منذ شعرها الجاهلي وما قبله، وحتى آخر تجليات الحداثة فيها شعراً ونثراً، وذلك بالقدر نفسه الذي يحتضن به الثقافة الإنسانية من شتى أقطارها.”

 

مرة أخرى يسعدني أن أنضم إلى هذا الجمع العزيز، جمع رابطة الكتاب الأردنيين، ومرة أخرى يشرفني أن أجتمع بكم في ملتقى السرد حول قامة كبيرة من صناع أدبنا العربي الحديث، الروائي والمبدع الأردني مؤنس الرزاز، القلم المميز والرؤية النبوءة، أقول ذلك وأنا في أول زيارة لي خارج مصر بعد ثورة يناير، منها أن إبداع المثقفين الحقيقيين قد قاد خطى في هذه الثورة الإنقاذ. بالأمس اجتمعنا حول إبداع الصديق الراحل غالب هلسا، الذي نعده في مصر واحداً منا، أسهم في بلورة حركة التجديد والتقدم في الأدب المصري الحديث فضلاً عن دوره الرائد في الأدب الأردني، واليوم نحتفي بأدب مؤنس الرزاز الذي أراه بدوره رائداً كبيراً ومبشراً بأفضل عناصر التجديد في ثقافتنا العربية في المضمون والصياغة، وهما –عنده- كل لا يتجزأ.

ما هي عناصر التجديد التي أضفاها أو أضافها مؤنس إلى الكتابة العربية؟ من يقرأ كاتبنا للمرة ألأولى يدهشه دون شك هذا المدى الرحب من الرؤية الإنسانية، هذا الشمول الذي يحتضن الثقافة العربية منذ شعرها الجاهلي وما قبله، وحتى آخر تجليات الحداثة فيها شعراً ونثراً، وذلك بالقدر نفسه الذي يحتضن به الثقافة الإنسانية من شتى أقطارها. وعند مؤنس فإن تعداد ألف ليلة وبغداد القرن العشرين، وبيروت الروشة والشياج، وعمان الغربية وحاضرها الملتبس تأتلف كلها لتصنيع مكاناً واحداً وزماناً واحداً هو عالم مؤنس الرزاز الخاص الذي تشكل ملامحه، أو الذي ينبثق بالأحرى مكتملاً من لغة ابتدعها واشتقها مبلورة وصافية من فرائد لغة الأجداد والأحفاد البمذولة له ليغني بها ملامحها الماساوية وملاهيا الساخرة على السوار، كأنما تأتيه عفواً وهو ينام ملء جفونه عن شواردها.

هو يقول مثلاً في متاهة الأعراب في ناطحات السراب “ليل يورق أرقاً. أرق أبيض أرق، وظلال تنحدر كموج من خصل وحشة بائدة، ظلال في ظلام من اللظى. تتثنى كأنما تقفو أثراً تطارده كإيقاع قصيدة لا مرئي القيس. إيقاع يقرع الذاكرةن ويأتي صافياً عارياً من المفردات”.

هو هنا كأنما يصف لغته هو نفسه، ذلك النثر الصافي الذي ينساب رائقاً ومُجوسقاً دون تكلف ولا عناء، يرفده تذوق رفيع لجماليات هذه اللغة ومقدرة فطرية على التعبير بها. وتعكس هذه الرواية الملحمية عمق إحساس مؤنس بمفردات التراث العربي والقدرة على تطويعه من صعاليك عروة بن الورد، إلى بلقيس، وشهرزاد ألف ليلةن إلى أبطال أهل الكهف الذين لبثوا يوماً أو بعض يوم هو دهر بأكمله يتجاوز عنده العصور والمكان، أو من جلجامسن إلى فريد شوقي، إلى أحمد بن بيلا والمهدي بن بركة الذين جمع بينهما، رغم أنف التاريخ، وإلى جانب غرب وأغراب لأحضر لها يتسلل العالم الخارجي ليفرض وجوده، فهناك كريستوفر كولومبوس وكارل جوستاف يونج وبيرجسون وعشرات الشخصيات الأخرى التي جلبها مؤنس الرزاز من الغرب إلى الشرق في هذه الملحمة.

قرأت في حياتي كثيرين من الكتاب حاولوا ما يسمى بإحياء التراث، وذلك غالباً لتسليط ضوء على الماضي بغية الإسقاط على الحاضر ولإظهار التشابة، ولكن عند كاتبنا لا يتعلق الأمر بهذا الإحياء ولا بعملية إسقاط من أي فرع، بل يصبح التراث والحاضر شيئاً واحداً، لا يتمثل الماضي في عملية تراكم بل في حياة مكتملة، إن تكن بعض ملامحها غائبة عن العيان، فهي كامنة في الأعماق. ألا تخاطب إحدى الشخصيات في الرواية بطلها قائلة: “أنت مثل هذه العمارة ما يظهر منها معاصر لكن تحت السطح طوابق آن لسية وعباسية.. حتى نصل إلى طوابق أهل الكهف والإنسان الأول البهائي؟ أبطال كاتبنا والكاتب نفسه، إذن يعيشون هذه اللحظة الكونية الممتدة، لا تفريق فيها بين ماضي وحاضر –فهو وهم يعيشون حياة البدائي في الغابة والإنسان المعاصر  في الطائرة في وقت واحد.

وفي رأيي أن تعامل مؤنس الرزاز مع التراث وعرض موصولاً بالحاضر، لا إسقاطاً عليه تميل إسهاماً مهماً جديراً بأن يحتذى من كل على طريقته بطبيعة الحال.

وهذا التعامل أو هذه الرؤية مرتبطة أوثق الارتباط بالموضوع الأساس في أدب كاتبنا وهو التمرد والثورة، أو الانعتاق والحرية. فهذه اللحظة الكونية التي تمتج في رواياته محتشدة بتاريخ من القهر والقمع والمطاردة. تجسد هذا التاريخ على نحو أبشع من تفاصيل التعذيب الوحشي، تلك العبارة التي يقتبسها من الحجاج ويفتتح بها رواية البحر من روائكم “من تكلم فَعَلناه، ومن سكت مات بدائه غماً”. ذلك القمع الذي هو كالليل، يدرك الأحرار أنّى كانوا. كأن مؤنس يقول لنا المجد إذن للأحرار الذين يرفضون الصمت ويدفعون الثمن مهما كان فادحاً. نلتقي عنده بعديد من الأبطال الذين يجربون عذاب السجن فينكرون هوياتهم حين يضغون، أو يتوبون إلى ضمائرهم فيثبتون، ويبدع الكاتب في تحليل تلك اللحظات من الضعف الإنساني وبواتعثها كما في رواية “أحياء في البحر الميت” ويصحبنا في تعاطف صادق في مسيرة استرداد الكبرياء والحرية الت يتختلف من شخصية إلى أخرى، فهو لا يرسم أنماطاً بل يبدع شخصيات حية لها فرادتها وكينونتها المستقلة. وحتى حين يختار شخصياته من الواقع مثل شخوص عصر الوحدة –عبد الناصر والمشير وعبد الحميد السراج فهو يقدمهم لنا باسمائهم دون كناية أو رمز، ولكنهم ليسوا أبناء الواقع بل أبناء خياله الخصب. هم شخصيات موازية لشخوص التاريخ يصور من خلال تناقضاتهم وانعكاسها الروائي مأساة الوحدة المجهضة التي شعرت أنه يبكيها رغم أخطائها وخطاياها. هو ككاتب خفيف لا يذم شخصياته ويترك لك كقارئ إن شئت أن تذم أفعالها، ولكن لن تغيب عنك لحظة في كل الأحوال رسالة الأساسية بأن هذه الوحدة أجهضت لأنها أجهضت الحرية في المقام الأول.

عند مؤنس الرزاز هي الحرية أولاً وأخيراً، بدونها يكون العدم وبها وحدا يكون الخلاص. وقد يمكن أن نرى أن علاقة الشرق والغرب ملمح أساسي في معمار مؤنس الرزاز الروائي، غير أني لم أشعر أن هذه العلاقة تمثل عنده إشكالية على الإطلاق وفي سياق اهتمامه الأساسي بالحرية والانعتاق فإن التقدم والتراجع مألوفان في الشرق مثلما هو الحال في الغرب، وبذرة الحرية يمكن أن تنبت هنا مثلما ترعرعت هناك شريطة أن ندفع ثمن الحرية.

أحياناً تؤلمه الولادة العسرة فيقول على لسان شخصياته وربما معبراً عما في نفسه، “دفعنا بنفس شخصية ثمناً باهظاً في سبيل الحلم.. فإذا الحلم شرنقة تطبق علينا وتخنقنا في قوقعة كابوسها”.

هذا حزن شريف ومبرر يعانيه أبطال العمل من أجل الحرية ولكنهم لا يستسلمون لهن وهو يردّ على ذلك الهاجس بلغة النص، لا بالتنظير، في قصة قصيرة بديعة هي “النمرود” السجين الذي يراهن أحباؤه أنه لن يبكي حين يطلق سراحه لأنه مناضل وعنيد، إلى آخر الصورة النمطية للبطل الذي لا يعرف لحظة ضعف، غير أن النمرود في الحقيقة بذرف الدموع الغزيرة حين يختلي بنفسه وحيد يخرج إلى الناس يستمد من وجودهم العون ويلقاهم باسم الوجه.

يقول لنا مؤنس الرزاز أن الإنسان يعاني وينهزم ويضعف لكن جذوة الحرية قد لا تحبوا أبداً. بشرنا ولن تخيب بشارته بمولد الفجر الذي حلم به وعمل من أجله أن يشرق نوره.

للأردن أن تفخر بكاتبها الكبير مؤنس الرزاز وبما أسهم به في مسيرة أدبنا العربي، مثلما تفخر بأنداد له في الرواية والشعر جعلوا من الأردن واحة أدبية جميلة تنشر ظلها على وطنها العربي الكبير دون تفريق.

أما أنها فخور بهذه الجائزة، وسأعتبر أني حصلت عليها مضاعفة إذا ما قبلتني رابطة الكتاب الأردنيين عضواً منتسباً لأتشرف بأن يكون اسمي إلى جوار أسماء مؤسسيها، وليقترن باسم مؤنس الرزاز الذي كان رئيساً لها ذات يوم ولأنضم إلى صحبة الأصدقاء من الحاليين، شيبا مثلي وشباناً يعدون بكل الأمل لأدب الأردن ولوطنهم العربي.

 

قالوا عن مؤنس في وفاته



·         إبراهيم عبد المجيد : لقد أحزنني خبر وفاة مؤنس الرزاز أحد المتميزين من الكتاب أبناء جيلي ، فقد كان له إسلوب مميز في الرواية كصيغة ولعب الزمن بوضعه زمناً جديداً في الرواية ، وقد لقيته مرتين أثناء زيارتي للأردن .

·         إبراهيم العجلوني:  عرفتك مذ عرفتك زاهداً بما يتصارع عليه الآخرون، لا تأبه بمنصب، ولا بجاه فارغ، ولا بمال يذل أعناق الرجال، حراً من كل قيد، أبياً على كل استلاب.

·         إدوارد الخراط  : كان رحيل مؤنس الرزاز ضربة مفاجئة وموجعة لي، وكنت قد التقيته في عمان لا أذكر متى، كان حضوره شامخاً وقامته مهيبه وقد أطلق لحيته ورحب بهآ ترحيباً صموتاً إذ صح التعبير. أحسست أن تحت هدوئه البادي توتراً مكتوماً ومحتدماً، عيناه فقط تنمان عن هذا ا الإحتدام ٬ ومن الواضح أن اعماله الروائيه تشف عن ثقافته عميقة، وتنم عن معرفه واسعة بتقنيات الرواية وبمقدرته العالية على تطويعها بفرادة خاصة به.

·         أسامة شعشاعة  : لو لم يبق في البيت إلا لمعة، أو حتى ، دمعة من عينيها،  لبقي من أحد أهم بيوتات عمان ، ولبقي الشارع الهادئ الموصل له، بأشجاره التي لم يقتلها العابثون من أهم شوارعها . لم أكتب عن مؤنس بعد، والآذن قادراً على ذلك. واذا  حدثكم عن والدته، فلأننا، يا الله، كم ننسى الأمهات.

·         د. أسعد عبد الرحمن: لم تكن رغبتبك في الرحيل هي الأحجية! بل الأحجية كانت في: كيف لمثلك الذي يحب الحياة إلى هذه الدرجة أن يحب الرحيل  الى تلك الدرجة؟!! ومع استغرابي غير المحدود لتصرفاتك ، كم – أيها الصديق – أحببتك!

·         إلياس فركوح : بمقدور من يرى أن الموت يشكل موضوعة تستحق التأمل والدراسة في حياة مؤنس أن يجد كذلك أنه يشكل موضوعه مبثوثة في جميع نصوصه وأني أزعم بأن مؤنس لم يكن مذعناً له على الإطلاق برغم توقه الخبيء إليه في ذروة أزماته المتلاحقة. هل بإمكاني القول بأن الموت انتصر في الجولة الأخيرة، وبالتالي انتصر لنفسه ولطبيعته القاطفة؟ ربما يكون هذا هو الأرجح غير أنه جاء مبكراً في حسمه هذه المرة.

·         أمجد ناصر : ماذا كان يضيره لو تأخر قليلاً، سبع سنوات كما كان يرغب مؤنس، كي يكمل مشروعه الجديد؟ ماذا لو كان قد تأخر قليلاً.؟  “ماذا يعني وكيف يكون الموت طبيعياً؟!” ولكنه بالتأكيد موت مبكر . بهذه أصاب، فليس هناك ابكر ولا أكثر مراوغة من هذا الوقت الذي اختطفه من بين محبيه

·         إنصاف قلعجي : أيّ فراغ مرعب خلّف وراءه وقد كان عملاقاً .. يمضي مؤنس وهو يعتقد بأنه مقطوع من شجرة، وكان يمزحُ ويقول: نحن عشائر الرزايزة، وما كان يدري بأن الوطن كله عشيرته

·         بول شاوول : ولأنه لم “يتقلّب” ولم يتأزر بسلطة، ولأنه أخلص، ولأنه مازال يحلم، ولد في تلك الأحلام السيزيفية القاسمية والقصيبة، بدت له الدنيا على ذلك الالتباس العجيب.

·         بيار أبي صعب : لم يمت مؤنس الرزاز قتلاً و اغتيالاً، مع أنّ مسدسات هذه الأيام لم تعد تحتاج إلى “كاتم صوت “. لم يمت في السجن، لم يمت مثل تيسير سبول، أو مثل غالب هلسا. حاول أن يتنفس، فلم يجد الهواء الكافي، مات إختناقاً، رحل بخفة تاركاً الأشياء معلّقة، ودفتره مفتوحاً، بصمت هذه المرّة أيضاً ترك لنا وصيّته: هذا الزمن لم يعد يستحق أن نعيشه.

·         جابر عصفور : إن فقد مؤنس الرزّاز خسارة فادحة للرواية العربية المعاصرة، فهو أبرز كتّاب الجيل الثاني للرواية الأردنية، وتجاربه الإبداعية أضافت لشكل الرواية العربية وفتحت أفقاً رحباً من الإبداع .

·         جمال الغيطاني : كان إنطباعي عن مؤنس في أول مرّة رأيته أننا أمام رجل مبدئي وجدي ومحترم، وذلك خلال لقائي به مرتين أثناء زيارتي للأردن، وقد جعل شعوري اتجاهه أعمق معرفتي سيرة والده.

·         حيدر محمود : كان مؤنس واحداً من أهم الرموز الثقافية والعربية، وهو من أهم الروائيين العرب المعاصرين، والخسارة بفقده ليست اردنية فقط ولا هي عربية بل تذهب بعيداً في مداها الإنساني الأوسع.

·         د.خالد الكركي : فجعنا بموت مثقف جذري ومبدع كبير ونتذكر في هذه الساعات الصعبة حسه الوطني وحضوره القومي وعطاءه المتميز، ننحني إجلالاً لذكراه. ورحيل مؤنس يحمل في نفوسنا من الأسى والحزن ماهو فاجع، ومؤنس الروائي الكبير والنقابي الكبير والسياسي النزيه والقومي الملتزم بأمته. إنه أحد الذين شكّلو الوجدان الوطني والقومي.





دراسات اكاديمية

بهاء طاهر
“ما هي عناصر التجديد التي أضفاها أو أضافها مؤنس إلى الكتابة العربية؟ من يقرأ كاتبنا للمرة ألأولى يدهشه دون شك هذا المدى الرحب من الرؤية الإنسانية، هذا الشمول الذي يحتضن الثقافة العربية منذ شعرها الجاهلي وما قبله، وحتى آخر تجليات الحداثة فيها شعراً ونثراً، وذلك بالقدر نفسه الذي يحتضن به الثقافة الإنسانية من شتى أقطارها.”

 

مرة أخرى يسعدني أن أنضم إلى هذا الجمع العزيز، جمع رابطة الكتاب الأردنيين، ومرة أخرى يشرفني أن أجتمع بكم في ملتقى السرد حول قامة كبيرة من صناع أدبنا العربي الحديث، الروائي والمبدع الأردني مؤنس الرزاز، القلم المميز والرؤية النبوءة، أقول ذلك وأنا في أول زيارة لي خارج مصر بعد ثورة يناير، منها أن إبداع المثقفين الحقيقيين قد قاد خطى في هذه الثورة الإنقاذ. بالأمس اجتمعنا حول إبداع الصديق الراحل غالب هلسا، الذي نعده في مصر واحداً منا، أسهم في بلورة حركة التجديد والتقدم في الأدب المصري الحديث فضلاً عن دوره الرائد في الأدب الأردني، واليوم نحتفي بأدب مؤنس الرزاز الذي أراه بدوره رائداً كبيراً ومبشراً بأفضل عناصر التجديد في ثقافتنا العربية في المضمون والصياغة، وهما –عنده- كل لا يتجزأ.

ما هي عناصر التجديد التي أضفاها أو أضافها مؤنس إلى الكتابة العربية؟ من يقرأ كاتبنا للمرة ألأولى يدهشه دون شك هذا المدى الرحب من الرؤية الإنسانية، هذا الشمول الذي يحتضن الثقافة العربية منذ شعرها الجاهلي وما قبله، وحتى آخر تجليات الحداثة فيها شعراً ونثراً، وذلك بالقدر نفسه الذي يحتضن به الثقافة الإنسانية من شتى أقطارها. وعند مؤنس فإن تعداد ألف ليلة وبغداد القرن العشرين، وبيروت الروشة والشياج، وعمان الغربية وحاضرها الملتبس تأتلف كلها لتصنيع مكاناً واحداً وزماناً واحداً هو عالم مؤنس الرزاز الخاص الذي تشكل ملامحه، أو الذي ينبثق بالأحرى مكتملاً من لغة ابتدعها واشتقها مبلورة وصافية من فرائد لغة الأجداد والأحفاد البمذولة له ليغني بها ملامحها الماساوية وملاهيا الساخرة على السوار، كأنما تأتيه عفواً وهو ينام ملء جفونه عن شواردها.

هو يقول مثلاً في متاهة الأعراب في ناطحات السراب “ليل يورق أرقاً. أرق أبيض أرق، وظلال تنحدر كموج من خصل وحشة بائدة، ظلال في ظلام من اللظى. تتثنى كأنما تقفو أثراً تطارده كإيقاع قصيدة لا مرئي القيس. إيقاع يقرع الذاكرةن ويأتي صافياً عارياً من المفردات”.

هو هنا كأنما يصف لغته هو نفسه، ذلك النثر الصافي الذي ينساب رائقاً ومُجوسقاً دون تكلف ولا عناء، يرفده تذوق رفيع لجماليات هذه اللغة ومقدرة فطرية على التعبير بها. وتعكس هذه الرواية الملحمية عمق إحساس مؤنس بمفردات التراث العربي والقدرة على تطويعه من صعاليك عروة بن الورد، إلى بلقيس، وشهرزاد ألف ليلةن إلى أبطال أهل الكهف الذين لبثوا يوماً أو بعض يوم هو دهر بأكمله يتجاوز عنده العصور والمكان، أو من جلجامسن إلى فريد شوقي، إلى أحمد بن بيلا والمهدي بن بركة الذين جمع بينهما، رغم أنف التاريخ، وإلى جانب غرب وأغراب لأحضر لها يتسلل العالم الخارجي ليفرض وجوده، فهناك كريستوفر كولومبوس وكارل جوستاف يونج وبيرجسون وعشرات الشخصيات الأخرى التي جلبها مؤنس الرزاز من الغرب إلى الشرق في هذه الملحمة.

قرأت في حياتي كثيرين من الكتاب حاولوا ما يسمى بإحياء التراث، وذلك غالباً لتسليط ضوء على الماضي بغية الإسقاط على الحاضر ولإظهار التشابة، ولكن عند كاتبنا لا يتعلق الأمر بهذا الإحياء ولا بعملية إسقاط من أي فرع، بل يصبح التراث والحاضر شيئاً واحداً، لا يتمثل الماضي في عملية تراكم بل في حياة مكتملة، إن تكن بعض ملامحها غائبة عن العيان، فهي كامنة في الأعماق. ألا تخاطب إحدى الشخصيات في الرواية بطلها قائلة: “أنت مثل هذه العمارة ما يظهر منها معاصر لكن تحت السطح طوابق آن لسية وعباسية.. حتى نصل إلى طوابق أهل الكهف والإنسان الأول البهائي؟ أبطال كاتبنا والكاتب نفسه، إذن يعيشون هذه اللحظة الكونية الممتدة، لا تفريق فيها بين ماضي وحاضر –فهو وهم يعيشون حياة البدائي في الغابة والإنسان المعاصر  في الطائرة في وقت واحد.

وفي رأيي أن تعامل مؤنس الرزاز مع التراث وعرض موصولاً بالحاضر، لا إسقاطاً عليه تميل إسهاماً مهماً جديراً بأن يحتذى من كل على طريقته بطبيعة الحال.

وهذا التعامل أو هذه الرؤية مرتبطة أوثق الارتباط بالموضوع الأساس في أدب كاتبنا وهو التمرد والثورة، أو الانعتاق والحرية. فهذه اللحظة الكونية التي تمتج في رواياته محتشدة بتاريخ من القهر والقمع والمطاردة. تجسد هذا التاريخ على نحو أبشع من تفاصيل التعذيب الوحشي، تلك العبارة التي يقتبسها من الحجاج ويفتتح بها رواية البحر من روائكم “من تكلم فَعَلناه، ومن سكت مات بدائه غماً”. ذلك القمع الذي هو كالليل، يدرك الأحرار أنّى كانوا. كأن مؤنس يقول لنا المجد إذن للأحرار الذين يرفضون الصمت ويدفعون الثمن مهما كان فادحاً. نلتقي عنده بعديد من الأبطال الذين يجربون عذاب السجن فينكرون هوياتهم حين يضغون، أو يتوبون إلى ضمائرهم فيثبتون، ويبدع الكاتب في تحليل تلك اللحظات من الضعف الإنساني وبواتعثها كما في رواية “أحياء في البحر الميت” ويصحبنا في تعاطف صادق في مسيرة استرداد الكبرياء والحرية الت يتختلف من شخصية إلى أخرى، فهو لا يرسم أنماطاً بل يبدع شخصيات حية لها فرادتها وكينونتها المستقلة. وحتى حين يختار شخصياته من الواقع مثل شخوص عصر الوحدة –عبد الناصر والمشير وعبد الحميد السراج فهو يقدمهم لنا باسمائهم دون كناية أو رمز، ولكنهم ليسوا أبناء الواقع بل أبناء خياله الخصب. هم شخصيات موازية لشخوص التاريخ يصور من خلال تناقضاتهم وانعكاسها الروائي مأساة الوحدة المجهضة التي شعرت أنه يبكيها رغم أخطائها وخطاياها. هو ككاتب خفيف لا يذم شخصياته ويترك لك كقارئ إن شئت أن تذم أفعالها، ولكن لن تغيب عنك لحظة في كل الأحوال رسالة الأساسية بأن هذه الوحدة أجهضت لأنها أجهضت الحرية في المقام الأول.

عند مؤنس الرزاز هي الحرية أولاً وأخيراً، بدونها يكون العدم وبها وحدا يكون الخلاص. وقد يمكن أن نرى أن علاقة الشرق والغرب ملمح أساسي في معمار مؤنس الرزاز الروائي، غير أني لم أشعر أن هذه العلاقة تمثل عنده إشكالية على الإطلاق وفي سياق اهتمامه الأساسي بالحرية والانعتاق فإن التقدم والتراجع مألوفان في الشرق مثلما هو الحال في الغرب، وبذرة الحرية يمكن أن تنبت هنا مثلما ترعرعت هناك شريطة أن ندفع ثمن الحرية.

أحياناً تؤلمه الولادة العسرة فيقول على لسان شخصياته وربما معبراً عما في نفسه، “دفعنا بنفس شخصية ثمناً باهظاً في سبيل الحلم.. فإذا الحلم شرنقة تطبق علينا وتخنقنا في قوقعة كابوسها”.

هذا حزن شريف ومبرر يعانيه أبطال العمل من أجل الحرية ولكنهم لا يستسلمون لهن وهو يردّ على ذلك الهاجس بلغة النص، لا بالتنظير، في قصة قصيرة بديعة هي “النمرود” السجين الذي يراهن أحباؤه أنه لن يبكي حين يطلق سراحه لأنه مناضل وعنيد، إلى آخر الصورة النمطية للبطل الذي لا يعرف لحظة ضعف، غير أن النمرود في الحقيقة بذرف الدموع الغزيرة حين يختلي بنفسه وحيد يخرج إلى الناس يستمد من وجودهم العون ويلقاهم باسم الوجه.

يقول لنا مؤنس الرزاز أن الإنسان يعاني وينهزم ويضعف لكن جذوة الحرية قد لا تحبوا أبداً. بشرنا ولن تخيب بشارته بمولد الفجر الذي حلم به وعمل من أجله أن يشرق نوره.

للأردن أن تفخر بكاتبها الكبير مؤنس الرزاز وبما أسهم به في مسيرة أدبنا العربي، مثلما تفخر بأنداد له في الرواية والشعر جعلوا من الأردن واحة أدبية جميلة تنشر ظلها على وطنها العربي الكبير دون تفريق.

أما أنها فخور بهذه الجائزة، وسأعتبر أني حصلت عليها مضاعفة إذا ما قبلتني رابطة الكتاب الأردنيين عضواً منتسباً لأتشرف بأن يكون اسمي إلى جوار أسماء مؤسسيها، وليقترن باسم مؤنس الرزاز الذي كان رئيساً لها ذات يوم ولأنضم إلى صحبة الأصدقاء من الحاليين، شيبا مثلي وشباناً يعدون بكل الأمل لأدب الأردن ولوطنهم العربي.